من هيروشيما إلى انقلاب تشيلي وغزو أفغانستان والعراق.. دفاع وأعذار كاذبة.. ذكريات أليمة تجاهلتها وسائل الإعلام الغربية
البعث الأسبوعية – سمر سامي السمارة
شنت الولايات المتحدة الكثير من الهجمات والاعتداءات على أراضٍ أجنبية، من ضمنها الهجوم الأنغلو-أمريكي على العراق عام 2003، والتدخل العسكري بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان عام 2001، فضلاً عن قصف اليابان بالقنابل الذرية، ومع ذلك تتغاضى وسائل الإعلام الغربية أو تمر مرور الكرام على هذه الأحداث…
في العام الماضي، حظيت الذكرى الخامسة والسبعون لقصف الولايات المتحدة لليابان بالقنابل الذرية بتغطية إعلامية غربية ضئيلة للغاية، هذا بالرغم من أنه بقصف هيروشيما في السادس من آب عام 1945، دخلت البشرية الفترة الحاسمة لوجودها القصير على الأرض” العصر النووي”.
فقد قامت الولايات المتحدة بتفجير قنبلتين نوويتين بشكل متعاقب فوق مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في 6 و9 من شهر آب 1945، الأمر الذي أودى بحياة 129.000 إلى 226.000 شخص جُلهم من المدنيين.
قصف اليابان بالقنابل الذرية
في دعم للاستخدام غير المبرر للأسلحة الذرية ضد المدنيين اليابانيين، قدم علماء التيار على مر العقود الدفاعات والأعذار المعينة، مدعين أن الهجمات الذرية كانت السبيل الوحيد لإنهاء الحرب العالمية من دون غزو بري يكلف حياة نصف مليون جندي أمريكي، ويقول الخطاب الأمريكي أن القنابل لم تنه الحرب بسرعة فحسب، بل فعلت ذلك بأكثر الطرق إنسانية، كما ادعى الخطاب نفسه أن أدولف هتلر كان يصنع سلاحاً ذرياً وكان على واشنطن أن تهزمه في السباق.
ومع ذلك، تشير الأدلة التاريخية الحاسمة من المحفوظات الأمريكية واليابانية قبل القصف الذرّي على هيروشيما وناغازاكي في تموز 1945، أن اليابان كانت تسعى على نحو متزايد إلى شروط سلام عادلة، ففي أوائل تموز 1945 اتصل الإمبراطور الياباني هيروهيتو بالقائد السوفييتي المنتصر جوزيف ستالين، مؤكداً أن اليابان ستصنع السلام، ولكن ليس من خلال الاستسلام غير المشروط الذي يغاير الهوية اليابانية وربما أي دولة أخرى. وفي نهاية المطاف، تم إرسال رسالة السلام التي أرسلها هيروهيتو إلى الحلفاء الغربيين، الذين أصروا على الاستسلام غير المشروط.
صرح كبار العسكريين الأمريكيين مثل الجنرال دوايت أيزنهاور القائد الأعلى في أوروبا، وهنري ستيمسون وزير الحرب آنذاك، إلى جانب الأدميرال تشيستر نيميتز قائد أسطول المحيط الهادئ، ووليام ليهي رئيس أركان الرئيس هاري ترومان في سجلاتهم المحفوظة أن القنابل الذرية كانت غير ضرورية، وشدد أيزنهاور على أن “اليابان كانت في تلك اللحظة بالذات تبحث عن طريقة ما للخروج من الحرب، ولم يكن من الضروري ضربهم بذلك الشيء الفظيع “.
كانت اليابان محاطة بالبحرية الأمريكية، في حين كانت الطائرات الأمريكية والبريطانية تسيطر بشكل كامل على السماء، فكتب الأدميرال ليهي في مذكراته” في رأيي أن استخدام هذا السلاح الهمجي في هيروشيما وناغازاكي لم يكن مفيداً مادياً في حربنا ضد اليابان، وفيما يتعلق بالحصول على القنبلة الذرية قبل هتلر، أفادت بريطانيا حليف الولايات المتحدة المقرب ووكالاتها الاستخباراتية، في صيف عام 1943 بأن المشروع النووي الألماني “لم يعد مصدراً للقلق الشديد”. وفي نهاية عام 1943، توصلت لندن إلى أنه لم يكن لدى النازيين مثل هذا البرنامج أصلاً.
وفي عامي 1943 و1944، أُرسلت النتائج التي توصلت إليها الاستخبارات البريطانية بشأن مشروع هتلر النووي غير الموجود إلى السلطات الأمريكية، بما في ذلك السلطات المسؤولة عن برنامج القنبلة الذرية الأمريكي.
وفي آذار 1944، قال الجنرال الأمريكي ليزلي غروفز، الذي كان يشرف على إنتاج القنبلة الذرية، إن “الغرض الرئيسي من هذا المشروع هو إخضاع الروس”، و كان هتلر قد أوضح قبل عامين تقريباً، في حزيران 1942، أنه “ثمة القليل من الربح في مسألة” السعي للحصول على أسلحة ذرية، حسبما ذكر ألبرت سبير، المقرب من هتلر، والذي كان وزيراً للتسليح والإنتاج الحربي لألمانيا النازية من شباط 1942 حتى نهاية الحرب.
كتب سبير أنه تم التخلي عن برنامج القنبلة الذرية الألماني إلى الأبد “بحلول خريف عام 1942” حيث ركز الألمان على “محرك اليورانيوم المنتج للطاقة لدفع الآلات. وكانت البحرية مهتمة بذلك بالنسبة لغواصاتها”، ومن جهته ذكر قائد قوات الأمن الخاصة النمساوية أوتو سكورزيني في مذكراته، أن هتلر كان قلقاً للغاية بشأن التهديد الذي تشكله الأسلحة النووية على الكوكب.
وجاء رد فعل مماثل من شخصية بارزة أخرى في الحرب، وهو الجنرال شارل ديغول، ونظراً لأن الزعماء الأنغلو-أميركيين كانوا موضع شك وريبة من ديغول صاحب التفكير المستقل، فقد علم بوجود القنبلة الذرية بعد إسقاط اثنتين منها على هيروشيما وناغازاكي، وعند سماعه عن استخدام القنابل ضد اليابان، والتي أسفرت عن مقتل حوالي 200 ألف ياباني، كتب ديغول أنه شعر “باليأس عندما رأى ظهور سلاح قد يدمر الجنس البشري”.
أول انقلاب عسكري في 11 أيلول في تشيلي
بمساعدة واسعة النطاق من وكالة الاستخبارات المركزية وبإيعاز من البيت الأبيض في عهد ريتشارد نيكسون، تم هذا الانقلاب اليميني في 11 أيلول 1973. وقد أسفر عن مصرع عدد من القتلى تجاوز الـ 16 إلى 17 مرة عدد قتلى هجمات 11 أيلول الثانية.
جدير بالذكر أن أحداث 11 أيلول في تشيلي تسببت بالمزيد من الأعمال الشنيعة الأخرى، مثل وفاة رئيس البلاد المنتخب ديمقراطياً سلفادور الليندي، وتفجير قصر لا مونيدا الرئاسي، فضلاً عن تعرض قرابة الـ 700 ألف أمريكي للتعذيب بعد ذلك، بينما تم إنشاء مركز إرهاب دولي في العاصمة سانتياغو، والذي سيقوم باغتيال الأشخاص الذين لا ينالون رضاه في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى تشجيع الانقلابات اليمينية الأخرى في أمريكا اللاتينية.
قبل أحداث 11 أيلول الأولى، كانت تشيلي بلداً مفعماً بالحيوية والنشاط، لكن الانقلاب انتهى بتنصيب الدكتاتور العميل، الجنرال أوغستو بينوشيه. وفي وقت لاحق، استحوذت مشاعر الخوف والقلق على مواطني تشيلي، واستمر الخوف بين الناس في القرن الحادي والعشرين، بعد فترة طويلة من خروج بينوشيه من السلطة في آذار 1990 بعد أكثر من 15 عاماً في السلطة.
تعكس أحداث 11 أيلول التشيلية الثقافة الفكرية الغربية، ففي حين تتجاهل وسائل إعلامهم في الذكرى السنوية للانقلاب أنه خلال سنوات التي حكم فيها بينوشيه، تعرض اقتصاد تشيلي لأضرار بالغة على يد الاقتصاديين التشيليين “السوق الحرة”، الذين أطلق عليهم لقب “صبية شيكاغو” بسبب تدريبهم في جامعة شيكاغو، وبحلول عام 1982، كان فريق صبية شيكاغو قد دفع تشيلي إلى أسوأ كساد عانت منه البلاد منذ نصف قرن. وفي أوائل التسعينيات، كان ما لا يقل عن 7 ملايين من مواطني تشيلي البالغ عددهم 12 مليون نسمة يعانون من الفقر، في حين شهدت فجوة التفاوت إزدياداً حاداً.
غزو الولايات المتحدة العسكري لأفغانستان
تجاهلت وسائل الإعلام الغربية الذكرى العشرين لاحتلال الولايات المتحدة لأفغانستان، وحتى في التغطية الضئيلة التي قدمتها هيئة الإذاعة البريطانية تناولت تقاريرها الاحتفاء بالذكرى العشرين لبدء العمليات العسكرية البريطانية في أفغانستان حيث “تم وضع أكاليل الزهور في المملكة المتحدة … تخليداً لذكرى الجنود البريطانيين الـ 457 الذين قتلوا هناك”، ولم يخصص حساب الـ “بي بي سي” أي اهتمام للشعب الأفغاني، بعد احتلال الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الذي دام 20 عاماً.
حيث لقي عشرات الآلاف من المدنيين الأفغان حتفهم خلال العقدين الماضيين، وأصبحت أفغانستان الآن واحدة من أفقر دول العالم. فخمسة وتسعون بالمائة من الأسر في البلاد لا تملك المواد الغذائية الكافية، كما أن نصف السكان البالغ عددهم 38 مليون نسمة أصبحوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، في حين يعاني مليوني طفل أفغاني من سوء التغذية ومليون آخر معرضون لخطر المجاعة، وما إلى ذلك.
وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إلى أنه بحلول منتصف العام المقبل، قد يصبح 97% من الأفغان في حالة عوز مدقع. وهذه هي النتيجة النهائية “للتدخل الإنساني” الذي قامت به الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان.
في الواقع، بات واضحاً أن الهدف الرئيسي لغزو افغانسيتان، كان لأسباب إمبريالية وجيواستراتيجية، مثل تأمين خطوط الأنابيب عبر أفغانستان وتعزيز الوجود الأمريكي في وسط أوراسيا، والذي كان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه أمر بالغ الأهمية للهيمنة العالمية.
في الذكرى العشرين للغزو، بدلاً من التركيز على الأثار المميتة للغزو، خصصت وسائل الإعلام تغطيتها الواسعة على محاكمة حارس معسكر اعتقال نازي سابق يبلغ من العمر 100 عام.
لقد تم التخطيط للغزو العسكري ضد أفغانستان قبل وقت طويل من هجمات 11 أيلول ضد أمريكا، والتي تم استخدامها كذريعة أساسية للغزو.
في الواقع، نتيجة لتضليل الإدارة الأمريكية للرأي العام الأمريكي، أيد 90% من الأمريكيين الذين تم استطلاع آرائهم العمل العسكري، ولم يكن الجمهور الأميركي يعلم أن الهجوم قد تم دون وجود أدلة تربط أسامة بن لادن وتنظيم “القاعدة” بالهجمات الإرهابية ضد أميركا. وبدوره أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي ذلك، فبعد 8 أشهر على التحقيقات الشاملة، فشل في تقديم دليل قاطع حول مرتكبي أحداث 11 أيلول.
الهجمات الأنغلو أمريكية ضد العراق 2003
دعم أعضاء الناتو بولندا وهولندا وإسبانيا وإيطاليا، إلى جانب الحليف الغربي القديم أستراليا، الأمريكيين والبريطانيين في هذا الغزو الجوي والبري، والحقيقة تعود جذور الحرب على العراق إلى قصف إدارة كلينتون للعراق في كانون الأول 1998، قبل أن يشن الرئيس جورج دبليو بوش الهجوم رسمياً في التاسع عشر من آذار 2003، ومع ذلك يكاد الغرب يتجاهل هذه الذكرى في كل عام.
وبالمثل، تم تنفيذ الهجوم العسكري ضد العراق على أسس زائفة، حيث لم يكن للبلاد أي علاقة على الإطلاق بفظائع 11 أيلول ضد أمريكا.
ولم تكن هناك أسلحة دمار شامل على الأراضي العراقية، وقبل تسعة أشهر من الغزو، صرح الأمريكي سكوت ريتر، مفتش الأسلحة السابق التابع للأمم المتحدة في العراق أنه: “لم يثبت أحد الادعاءات القائلة بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، أو يحاول الحصول على أسلحة دمار شامل، لكن بالطبع هذه هي الحجة التي أوجدناها لغزو العراق”. كان غزو العراق معنياً إلى حد كبير بالسيطرة على احتياطيات النفط الهائلة في البلاد، في منطقة حيوية استراتيجياً، وهي الشرق الأوسط.
من المؤكد أن معظم الجمهور العادي يجهل هذه المسألة، فقد كانت عدم طاعة صدّام، وليس انتهاكاته لحقوق الإنسان ما يزعج القوى الأنغلو-أميركية. وكان صدام قد وقع عقوداً مع شركة الطاقة الروسية لوك أويل، بينما كان يجري مفاوضات مع شركة الوقود الأحفوري الفرنسية توتال. كما بدأ في استبدال الدولار باليورو كعملة للمعاملات النفطية. وكتب المؤرخ البرازيلي مونيز بانديرا أن إزاحة صدام “من شأنها أن تفسح المجال أمام دخول الشركات الأمريكية والبريطانية، مثل شيفرون، وإكسون موبيل، وشل، وبريتيش بتروليوم، بالإضافة إلى شركات أخرى”.
في الحقيقة، كان صدام يحظى بدعم كبير من إدارة ريغان خلال الثمانينيات، في الحرب الإيرانية العراقية، وقد استمر دعم صدام حتى المرحلة الأولى لرئاسة بوش الأب في عام 1989. وعلى غرار قصف أفغانستان عام 2001، أيدت نسبة عالية بشكل مدهش من الأميركيين غزو العراق عام 2003.
وفي 20 آذار 2003، أي بعد يوم واحد من بدء الهجوم، قال 76% من المستجيبين الأمريكيين إنهم يوافقون على العمليات العسكرية، وأظهر استطلاع آخر أجرته شبكة “سي إن إن” و” يو إس إيه توداي” و “غالوب” بعد أيام قليلة من الغزو أن أكثر من 70% من الأميركيين استمروا في دعم العمل المسلح ضد العراق، في حين عارضه 25% فقط.
وفي بريطانيا، تم إجراء 21 استطلاعاً للرأي طوال عام 2003، وكشفت في المتوسط أن 54% من البريطانيين يعتقدون أن القرار كان صائباً بالتدخل عسكرياً في العراق، بينما رأى 38% أن القرار كان خاطئاً، وكان الدعم الشعبي البريطاني في أعلى مستوياته في وقت بدء الغزو.