دراساتصحيفة البعث

“البعث” تحاور كيريل سيميونوف الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية

موسكو- ريا خوري

  • سورية وروسيا تربطهما علاقات تاريخية وثيقة وتعززت وارتقت أكثر إلى مستوى التحالف الاستراتيجي منذ العام 1970.. ماذا تحدثنا عن تلك العلاقات التاريخية بين سورية وروسيا؟.

السيد سيميونوف:

العلاقات السورية الروسية كانت موجودة قبل عام 1970 منذ زمن الوحدة بين سورية ومصر، وكانت روسيا تدعم سورية في حروبها منذ ستينيات القرن الماضي، وهذا الدعم كان لسورية وللعديد من الدول العربية، وبالطبع بعد وصول الرئيس المؤسّس حافظ الأسد إلى السلطة تطورت العلاقات أكثر بين البلدين في مجالات عدة، منها شراء السلاح وتدريب الضباط السوريين. وكانت سورية آنذاك حليفاً للاتحاد السوفييتي السابق، وتطورت تلك العلاقات أكثر بعد اتخاذ مصر نهجاً سياسياً آخر تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي، وفي ذلك الوقت كانت هناك ثلاث دول في الشرق الأوسط حلفاء لروسيا هي سورية والجزائر واليمن. وبالتأكيد كانت سورية من أكبر الحلفاء بسبب موقعها الجغرافي ولعدة أسباب أخرى. في ذلك الوقت بدأ التمهيد لإنشاء القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، وبغضّ النظر عن الصعوبات في تلك الفترة بقيت العلاقات الروسية السورية قوية ومتطورة. وبعد وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرئاسة في روسيا تطورت العلاقات ووصلت إلى مرحلة علاقة حليف استراتيجي، وبعد أن بدأت الحرب على سورية تطورت العلاقة أكثر لأنّ روسيا تعادي الإرهاب وتحاربه على كافة الأصعدة، ولأنَّ روسيا حليف لسورية يهمّها إقامة السلام والأمن والاستقرار في الأراضي السورية، لذلك تطورت دفاعاتها في سورية، ولهذا ما زالت روسيا تعمل مع الدولة السورية لمكافحة الإرهاب على الأراضي السورية.

  • تعرّضت سورية لاعتداء من عدد كبير من الدول، وانتشر فيها الإرهاب الدولي ما أدى إلى احتلال أمريكي لأجزاء من سورية، ما هو الموقف الروسي من ذلك الاحتلال، وكيف تتعامل روسيا مع هذا الاحتلال؟.

السيد سيميونوف:

وجود القوات الأمريكية في سورية يعتبر احتلالاً للأراضي السورية، بغضّ النظر عما تسوق له سياسياً وإعلامياً من أنها تعمل على مكافحة الإرهاب، لأنَّ تنظيم (داعش) لا يقوم بأي تهديد للأراضي السورية الواقعة تحت الاحتلال الأمريكي، كما نرى أنه لا يوجد تهديد لـ”داعش” في الأراضي التي تقع تحت سيطرة ميليشيا “قسد” التي تضمّ عشرات الآلاف من المرتزقة الإرهابيين الذين يمارسون الإرهاب في البادية السورية.

في حقيقة الأمر إنّ القوات الأمريكية في سورية هي من يساعد الإرهابيين ولا تحاربهم بشكلٍ عملي، وهم يستغلون فكرة مكافحة الإرهاب للإبقاء على تواجدهم في الأراضي السورية، وأنّ وجود تلك القوات هو الإرهاب بذاته وليس لمحاربته. إنّ وجود القوات الأمريكية في سورية يشبه “الراصور المضغوط أو النابض” الذي لا بدّ له من أن ينفجر يوماً ما وتخرج القوات الأمريكية من سورية، لأن وجودها مبنيّ على باطل. اليوم نشاهد في محيط دير الزور وجود قوى عربية، والولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تستعمل دير الزور والمناطق المحيطة بها لتشكيل ضغط قويّ على روسيا وتخفيف الضغط عن أوكرانيا، حتى الأمريكان اعترفوا بهذا الموضوع بأنهم يحاربون في سورية من أجل تخفيف الضغط الروسي على أوكرانيا، وهذا الكلام لا ينطبق فقط على دير الزور، بل على قاعدة التنف أيضاً.

  • استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية أسلوب فرض العقوبات الاقتصادية على سورية بذرائع مختلفة، فتارةً تكون الحجة اتهام سورية بدعم الإرهاب وتارةً تكون حماية السوريين، وحجج أخرى أغلبها غير منطقي. وبعد عام 2011 عانت سورية من أزمة خانقة أثرت سلباً على كافة الأصعدة، كيف يتجلّى الدور الروسي في ظل العقوبات الاقتصادية على سورية؟.

السيد سيميونوف:

هذه العقوبات المفروضة على روسيا وسورية هي عقوبات غير قانونية، لا يوجد قرارات حاسمة لهذه العقوبات، وهذا الأمر كان واضحاً لعدم وجود ذريعة قانونية أو قوانين تسمح بهذه العقوبات. معظم العقوبات كانت ضدّ الشركات الروسية، وهناك عدد كبير من الشركات الروسية والأشخاص تضرّروا من تلك العقوبات ويمكن أن يتضرّروا أيضاً في المستقبل بعقوبات أخرى، وهذه العقوبات تضرّ بروسيا وبالتأكيد يصيب ضررها سورية، لأن سورية وروسيا بينهما مصالح مشتركة، ولأنّ الاقتصاد الروسي أكبر من الاقتصاد السوري بالتأكيد سيتضرّر بشكلٍ أكبر من الاقتصاد السوري كون مساحة روسيا أكبر. من المهمّ لسورية أن تجد لها طريقاً للهروب والتخلّص من تلك العقوبات، وهذا السبب الذي دفع روسيا للقيام بعلاقات قوية مع العديد من الدول التي لم تتعرّض لمثل تلك العقوبات، ومن تلك الدول التي طوّرت روسيا علاقاتها معها هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. واليوم ستزداد العلاقة الروسية السورية بسبب عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، وبسبب تطور العلاقة السورية مع الدول العربية، والفكرة الثانية هي عودة اللاجئين السوريين إلى الأراضي السورية، وبهذا الموضوع من الضروري أن تساعد الدول والحكومات العربية عبر تقديم المساعدات المالية لسورية. إنّ عودة اللاجئين تخفّف الضغط الناتج عن العقوبات، لأنّ الاتحاد الأوروبي غير راضٍ عن عودة اللاجئين إلى أراضيهم، لأن عودة اللاجئين إلى أراضيهم ستؤدي إلى تطوير سورية من جميع النواحي ومن الناحية العمرانية.

  • كان للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا تأثير كبير على معظم دول العالم، هل هناك تأثير لتلك العملية على سورية وما تعانيه سورية في الوقت الحاضر من مخاطر؟.

السيد سيميونوف:

من المؤكد أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا قد أثّرت على جميع دول العالم، لكن ما يخصّ الجانب السوري نلاحظ أنّ الدعم الروسي لسورية لم يتأثّر، وما زال قوياً، في الفترة الأخيرة تمّ القصف في محيط إدلب، وهذا الشيء نشهده بوضوح من خلال القاعدة العسكرية الروسية في سورية، كما أنّ الطيران الروسي ما زال يتطور بفاعلية أكبر وهو تعبير أيضاً عن ازدياد الدور الروسي في الشرق الأوسط. من المؤكد أنّ الحكومة الروسية تقدّم دعمها للحكومة السورية، وهذا يقوي الدور الروسي العالمي، ويلمّع وجه روسيا في الشرق الأوسط أكثر. حتى أن هذا الأمر يزيد من تطور العلاقات الروسية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية والمتحدة، ولهذا السبب تعتبر سورية المفتاح الرئيسي لروسيا في الشرق الأوسط.

  • الأزمة السورية ما زالت متفاقمة بسبب الكثير من العقبات وأكثرها حالة الحصار والعقوبات الاقتصادية عليها، هل هناك حلول للأزمة السورية في المستقبل لا يظهرها الإعلام، وتحديداً فيما يخصّ تحسين الوضع الاقتصادي في سورية؟.

السيد سيميونوف:

من المؤكد أنّ الاقتصاد السوري بحاجة إلى إعادة بناء، وإعطاء تنبؤات حول هذا الموضوع أمرٌ صعبٌ، فالوضع في سورية صعب جداً، من المؤكد أن الخروج من هذا الوضع هو تطوير العلاقات السورية مع الدول العربية، لأنه يساعد على الخروج من الأزمة. أنا أعتقد أن هناك العديد من الحلول التي يمكن تداولها، ومن تلك الحلول الدعم العالمي لسورية من أجل الخروج من الأزمة، وتطوير العلاقات السورية– العربية، بغضّ النظر من هي تلك الدول، لكن المهمّ أن يكون هناك دعم مادي لإعادة إعمار سورية.

  • ما هي مواقف روسيا الداعمة لسورية في الأمم المتحدة؟.

السيد سيميونوف:

في البداية أرغب بالتأكيد على أنّ روسيا تعمل على إلغاء جميع القرارات المتخذة ضد سورية في مجلس الأمن، وهذا يندرج تحت عنوان مساعدة روسيا لسورية سياسياً. في حقيقة الأمر يوجد في سورية ممثل للأمم المتحدة والحكومة السورية تتعامل معه وفقاً لمصالحها. وهنا نؤكد مرةً أخرى أنَّ الأمم المتحدة لم تفرض على سورية أية عقوبات، والواضح أيضاً مرةً أخرى أنَّ العقوبات ضد سورية تأتي من طرف واحد.

سابقاً كان هناك خمسة معابر لمساعدة سورية، وحالياً يوجد معبر واحد هو معبر باب الهوى المسيطر عليه من قبل ما يُسمّى “هيئة تحرير الشام”، وروسيا تحاول أن تؤثر على هذا المعبر من أجل مساعدة سورية، واليوم الأمم المتحدة وافقت على الدعم الروسي لسورية وتحديداً معبر باب الهوى.

الولايات المتحدة الأمريكية كانت تستخدم معبر باب الهوى لدعم الإرهابيين، وتسعى لأن يبقى مفتوحاً لإدخال الأسلحة، في المقابل كانت روسيا تعمل بقوة من أجل إغلاق معبر باب الهوى أو أن يبقى فقط من أجل عبور اللاجئين وتأمين المتطلبات الإنسانية لهم. هناك ممثل للأمم المتحدة في سورية يعمل ضمن إطار تطوير الوضع في سورية، وروسيا تدعم كامل الجهود من الطرفين لإنهاء الأزمة وعودة سورية إلى طبيعتها السابقة.

في ختام اللقاء نشكرك سيد كيريل سيميونوف الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي، راجين لسورية وروسيا وشعبينا الأمن والأمان والسلام.