تراث الجزيرة السورية في أمسية “ألحان من الشمال” بقيادة نزيه أسعد
ملده شويكاني
أغنية “انتظار” من أغاني الجزيرة السورية الحيوية للمؤلّف والعازف العالمي الراحل سعيد يوسف، الذي أحيا حفلاً خاصاً في دار الأوبرا قبل وفاته بأعوام عدة، كانت بصوت آلان مراد وعزفه على البزق في دار الأوبرا، بمرافقة الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو نزيه أسعد وبإشراف الباحث إدريس مراد، في أمسية “ألحان من الشمال” التي قدّمت مجموعة مقطوعات موسيقية وغنائية من تراث الجزيرة السورية الغنيّ بالثقافات الموسيقية واللغوية التي نقلت ثقافة سكان هذه المنطقة وتراثهم.
حفلت الأمسية بالتراث السرياني والأرمني والكردي، بدور خاص لآلات الددوك والساز والطنبورة القديمة، ورغم خصوصية كل الثقافات الموسيقية إلا أنه لا بدّ من وجود تقاطعات فيما بينها.
افتُتحت الأمسية بمقطوعة من مؤلفات الملحن والعازف العراقي دلشاد سعيد الذي ساهم بإغناء الموسيقا المعاصرة، والتي قدّمها بمرافقة الأوركسترات على مسارح عالمية، كونه مغترباً، فبدأت بالحوارية بين البيانو وثلاثة كمانات، تناوب فيها عازفو الكمانات، وتخللها عزف منفرد على الكمان بمرافقة خافتة للبيانو مع تقنية النقر على الوتر للكمانات، وفي القسم الثاني منها تغيّر اللحن بدور الإيقاعيات.
ومع انضمام مجموعة الوتريات عزفت الفرقة مقطوعة “أيتها السمراء” لباقي صلاح من تراث منطقة عفرين، وكانت البداية مع صولو الساز –العازف بهجت سرور- تخللتها امتدادات وترية ترافقت مع صور الخلفية لطبيعة عفرين وأقواسها الحجرية، ثم تابع سرور العزف المنفرد على الساز بمرافقة خافتة للكمانات، ومن ثم انضمّت آلات التخت الشرقي.
كما تألقت الأمسية بحضور عازف الطنبورة القديمة أكرم نازي وعزفه ملحمة عشق بعنوان زينب تعود إلى مئتي عام خلت، قدمتها العائلة الفنية (حسنازي) التي ينتمي إليها العازف، فبدأ بتقاسيم على الطنبورة من مقام البيات بمرافقة خافتة للوتريات والإيقاعيات، ومن ثم الفرقة، وتميّزت الملحمة بتشاركية بين البزق والطنبورة في مواضع.
الددوك والتراث الأرمني
وتغيّرت الألحان بتأثير آلة الزورنا النفخية الشبيهة بالناي وبمشاركة العازف جوزيف آراميان من كسب بمقطوعات التراث الأرمني، -توزيع نزيه أسعد- بالتركيز على دور الإيقاعيات بالألحان الحيوية، تخللها فاصل إيقاعي.
وتابعت لوسي قيومجيان بالغناء من التراث الأرمني بمرافقة الفرقة بدور خاص لآلة الددوك -جوزيف آراميان- الآلة التراثية الشعبية التي ارتبطت بالطقوس الاجتماعية الأرمنية، والمصنوعة من خشب شجر المشمش، المتميّزة بنغماتها الدافئة والرقيقة جداً التي عكست آلام الإبادة الأرمنية وإصرار الأرمن على الحياة، فغنّت قيومجيان -من أرمن حلب- بحزن شفيف بمرافقة الددوك والبيانو. وقد أظهرت الخلفية النقوش والزخارف الأرمنية التي تعود إلى التراث الأرمني القديم، فتألقت الأنثى بثوبها الأحمر وهي تحمل الجرة بدلالات موحية عن التراث، لتأتي القفلة مع الددوك والغناء.
وإلى الموسيقا السريانية وغناء ميرنا شمعون لنبيب عبد الأحد باللغة السريانية المشتقة عن الآرامية والمتناغمة مع خصوصية الألحان السريانية، ثم قدمت أغنيات أكثر حيوية من التراث السرياني والآشوري، تخللتها امتدادات صوتية وتكرار لبعض المفردات التي تعبّر عن الحب.
وفي ختام الأمسية قدم آلان مراد وصلة من التراث الكردي بدأت بعزفه على البزق مقطوعة الغزالة، بحوارية بينه وبين الفرقة، ومن ثم غنّى أغنية الحبيبة ألحان محمد علي شاكر، سُبقت بعزفه على البزق كمقدمة موسيقية ومن ثم غنائه وعزفه مع الفرقة.
وبعد الأمسية تحدثت “البعث” مع العازف أكرم نازي فأشار إلى أهمية الأمسيات والمهرجانات لمشاركة آلة الطنبورة القديمة شبه المنسية التي يعمل على إحيائها والتي بدأت تأخذ حقها بدعم وزارة الثقافة.
وعقب على خصوصيتها بالعزف بالأصابع دون ريشة، وكان يعزف عليها بشكل منفرد لكن مع التطور بالأمسيات والمهرجانات التي يقيمها الباحث إدريس مراد بمشاركة الموسيقيين المحترفين أخذت دورها بالعزف مع الفرق الموسيقية، وتابع عن عائلته حسنازي الغنية بالشعر والغناء والموسيقا التي نقلت التراث الكردي من جيل إلى آخر.
عازف البيانو الأرمني فادي شحيم تحدث عن تأثير آلة الددوك بالموسيقا الأرمنية، وعن المقطوعات الأرمنية التي أظهرت دور هذه الآلة، وتابع عن المقامات الأكثر حضوراً بالأمسية مثل مقام البيات بالمقطوعات الكردية، ومقام النهاوند بالتراث الأرمني، ومقام الحجاز بالسريانية والآشورية.
ومن الجمهور مايكي مشق، إذ بيّنت أن الأغنيات الأرمنية تُغنّى بذكرى الإبادة وتعبّر عن الوجع وجرح القلب.