دراساتصحيفة البعث

المعسكر الأميركي يكسر التفاهم الضمني

هناء شروف

من بين حزمة المساعدات العسكرية الأخيرة التي تبلغ قيمتها 250 مليون دولار لأوكرانيا، والتي كشفت عنها وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي، ذخائر اليورانيوم المنضب والتي تستحق اليقظة الكاملة لقدرتها على اختراق الدروع وتدمير الدبابات الثقيلة.

كما لا ينبغي تجاهل الآثار البيئية المحتملة على المدى الطويل، فاليورانيوم المنضب هو منتج ثانوي لإنتاج الوقود المستخدم في محطات الطاقة الذرية. وعلى الرغم من انخفاض مستويات الإشعاع بشكل كبير واستخدامه لخصائصه الفيزيائية وليس النووية، فإنه إذا تم استخدام كميات كبيرة من الذخائر في وقت قصير لا يمكن تجاهل التأثيرات الإشعاعية التي تنتجها، كما تظهر العديد من الحالات.

المعسكر الأميركي هو الذي يكسر التفاهم الضمني على حساب تحويل الأزمة الأوكرانية من سيئ إلى أسوأ، فقد تلقت أوكرانيا الدفعة الأولى من ذخائر اليورانيوم من المملكة المتحدة في شهر آذار الماضي لاستخدامها في دبابات “تشالنجر 2” البريطانية الصنع. وقد تم الرد على هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر التي غيرت قواعد اللعبة على الفور من خلال تعهد موسكو بنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا.

إن المساعدة العسكرية الأخيرة التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا تجعل من الواضح للجميع أن واشنطن لا تريد فقط إطالة أمد الصراع،  بل تريد أيضاً تصعيده.

وبينما تتسبب الأزمة الأوكرانية في خسائر فادحة للبلدين وخارجهما، تعتقد واشنطن أنها واحدة من أفضل “الاستثمارات” التي قامت بها الولايات المتحدة للدفاع عن هيمنتها في التاريخ. فبعد أن أنفقت الولايات المتحدة 2.5% فقط من الإنفاق الدفاعي الأمريكي منذ اندلاع الصراع في شباط من العام الماضي، ضربت ثلاثة عصافير بحجر واحد على الأقل. ومقارنة بما كانت عليه قبل عام ونصف العام، وبفضل هذه المدخلات المحدودة، فقد أحكمت قبضتها فعلياً على أوروبا، واستغلت الموقف بشكل ملحوظ لتعزيز إستراتيجية احتواء الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وقد ساهم “الاستثمار في أوكرانيا” في تعزيز قيادة الولايات المتحدة للغرب، ناهيك عن حقيقة أن جزءاً كبيراً من هذا “الاستثمار” يمثل الأموال التي استوعبتها الصناعة العسكرية في الولايات المتحدة وحلفائها، مما يجعل المبلغ الذي يذهب مباشرة إلى أوكرانيا ضئيلاً نسبياً. وكلما طال أمد الأزمة في الاتجاه المرغوب فيه كلما زادت استفادة الولايات المتحدة منها.

وينبغي لنا أن نذكر الولايات المتحدة وحلفائها أنه إذا تصرفت روسيا بشكل متبادل، وهو أمر يكاد يكون مؤكداً، فإن الوضع سوف يأخذ منعطفاً حاسماً نحو الأسوأ.

وبفضل جهود الوساطة الهائلة التي بذلتها الصين وبعض الدول الأخرى، بما في ذلك البرازيل وإندونيسيا على مدى الأشهر القليلة الماضية، لم يغير الصراع حتى الآن مساره إلى صراع نووي، ويتعين على المزيد من البلدان أن تنضم إليهم في الترويج لإنهاء الصراع عاجلاً وليس آجلاً.