ارتفاع معدل الخصوبة رغم الهجرة وتراجع مؤشرات محو الأمية والخدمات الصحية
دمشق- لينا عدره
بيّن مدير السكان في الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان وضاح الركاد أن موضوع تقرير حالة السكان 2020 هو العودة والاستقرار، موضحاً أن هذا النوع من التقارير لا تغطي فقط عدد السكان وتوزعهم الجغرافي وخصائصهم الأساسية والعمرية، بل تعطي صورة شاملة عن وضع السكان، إضافةً للظواهر الاجتماعية المرافقة في فترة زمنية محدّدة.
واستعرض الركاد سلسلة تقارير حالة السكان التي أعدّتها الهيئة، وكان آخرها تقرير حالة السكان 2020، مبيناً أن أهم ما ركّز عليه التقرير الأول عام 2008 (الرئيسي) تقديمه تشخيصاً دقيقاً لحالة السكان في سورية ولعناصر المشكلة السكانية، ويعتبر من أفضل التقارير الوطنية المعدّة على مستوى العالم، ويُعمّم أنموذجه من قبل صندوق الأمم المتحدة للسكان، لاعتماده من قبل الدول في إعداد تقاريرها، في حين أوضح تقرير حالة السكان 2010 (انفتاح النافذة الديموغرافية) إقبال سورية حينها – والكلام لا يزال لـ الركاد – على مرحلة تحوّل ديموغرافي نوعي باتجاه انفتاح النافذة الديموغرافية، حيث كانت “نسبة القوة البشرية في المجتمع تزيد عن 60%”، وشدَّد حينها على ضرورة وضع سياسات تدخلية لاستثمارها تنموياً، كونها حالة فريدة لا تحدث في المجتمعات إلا مرة واحدة ولفترة زمنية لا تتعدّى 30 سنة، مُقتَرِحاً خطوات إجرائية تدخلية لاستثمارها.
وأشار الركاد إلى الهيئة بدأت العمل مع مطلع عام 2011، وبالشراكة مع جميع الجهات الرسمية والأهلية، على إعداد مشروع السياسة السكانية في سورية، ورصد الموازنات اللازمة له، والمباشرة في تنفيذ البرامج والأنشطة، لتتوقف عن متابعة تنفيذ كلّ البرامج السكانية نتيجة الحرب، والاكتفاء بتنفيذ بعض البرامج الاستهدافية لتواصل العمل بعد ذلك وتنجز تقرير حالة السكان 2014 (انعكاسات الأزمة على الواقع السكاني)، بهدف تقصي منعكسات الأزمة على الواقع السكاني وإجراء تقدير لحجم السكان المقيمين والمهجّرين داخلياً والسكان المهاجرين واللاجئين إلى البلاد المجاورة، إلا أنه لم يُنشر في حينها، وتمّت الاستفادة من بياناته الأساسية المطلوبة حسب المحافظات والمناطق، بالإضافة إلى تقدير أوليّ لأضرار البنية التحتية وصولاً لتقرير حالة السكان 2020 (العودة والاستقرار) الذي رصد تدني مستوى العديد من المؤشرات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية، نتيجة الحرب، فكان لا بدّ من العمل على إعادة تشخيص حالة السكان في سورية، التي يتصدّى لها هذا التقرير، مع الأخذ بعين الاعتبار القضية المحورية للمسألة السكانية وهي حركة السكان المكانية بكافة أشكالها وانعكاساتها المستقبلية، على الرغم من محدودية البيانات الرسمية بسبب عدم التمكّن من إجراء التعداد السكاني الشامل خلال الفترة الماضية، وبالتالي تمّ اللجوء إلى المنهجيات العلمية الإحصائية لتقدير بعض المؤشرات، كما تمّت الاستفادة من بعض معطيات التقارير الدولية.
وشدّد الركاد على أن أهمية هذا التقرير تنبع من كونه قدّم معالجة موضوعية لحالة السكان في سورية، استناداً إلى بيانات ذات موثوقية من حيث المصدر والمنهجية مقابل العديد من التقارير والدراسات الإقليمية والدولية التي يشوبها عدم الدقة وغموض المصادر والمنهجية والمبالغة والتضخيم في البيانات التي تستند إليها لأسباب متعدّدة، خاصةً وأن ما طرحه مقاربة لأهم القضايا والمشكلات الاجتماعية التي كانت آخذة بالاندثار، وأدّت ظروف الحرب على سورية إلى معاودة ظهورها وانتشارها لترخي بتداعياتها السلبية على حالة ودينامية السكان، مثل ارتفاع نسب الزواج المبكر، وارتفاع نسب العزوبية وعمالة الأطفال والتفكك الأسري، ومعدلات التسرّب من التعليم، ومعدلات الفاقد التعليمي، إضافة للعنف القائم على النوع الاجتماعي، وأوجه عدم المساواة بين الجنسين، وأخيراً منظومة الحماية الاجتماعية، ليُشكِّلَ ورقة حوارية استرشادية لكافة المعنيين بقضايا السكان والتنمية ومؤسسات وهيئات حكومية وقطاع خاص ومجتمع أهلي وصنّاع الرأي والمؤثرين.
وبيّن الركاد أن السياسة السكانية في سورية سعت لتحقيق التوازن السكاني والاقتصادي، وبالتالي تخفيض معدل نمو السكان ورفع معدل النمو الاقتصادي سعياً لتحقيق التوافق بينهما، إلا أن الأزمة حالت دون تحقيق تلك السياسة، ليتمّ تعديل الخطط والبرامج، ونلحظ بعدها تغيّراً في الخصائص الديموغرافية، وارتفاعاً في نسبة الوفيات، وتعويضاً للفاقد ما أدى لارتفاع معدلات الخصوبة، حيث أظهرت التقارير الرسمية في سورية المتعلقة بالخصوبة، وهنا نتحدث على مستوى القطر، بأنها أضحت متوسطة، رغم ما أصابها من انخفاضٍ بسيط مردُّه وفق التحليلات غياب أربع محافظات ذات معدلات خصوبة مرتفعة جداً عن المسح هي (دير الزور ودرعا وإدلب وريف حلب)، ما جعلنا نلحظ انخفاضاً في معدل الخصوبة، إلا أن الواقع مغاير تماماً، حيث ما زال المعدل مرتفعاً أو لنقل في مرحلة ركود وتباطؤ، أي بمعدل إنجاب أربعة مواليد لكلّ سيدة، وفق ما ذكر الركاد.
وأشار إلى الخلل الذي أظهره التقرير في الهرم السكاني، سواء العمري أو الجنساني، وخاصة مع هجرة الشباب من 15 إلى 39 سنة، ما أدى لانخفاض نسب السكان في سنّ الشباب في هذه المرحلة العمرية، وبالتالي رفع الوزن النسبي لباقي الفئات، سواء الأطفال أو كبار السن الذين ارتفعت نسبتهم بنحو 8% لتتباين حسب الذكور والإناث.
أما ما يخصّ المؤشرات الحيوية والصحية، فقد بيّن الركاد تراجعها عقدين من الزمن، بعد أن كنّا نسير بخطوات جيدة، وخاصة في التعليم والصحة، وإعلان بعض المحافظات خالية من الأمية، لترجع نسب التسرّب إلى الارتفاع بما يزيد عن 30% عن المستوى المتوسط، وتصل في بعض المحافظات إلى 50%، مع اختلافها من منطقة لأخرى، فيما تراجعت مؤشرات الخدمات الصحية نتيجة خروج بعض المراكز الصحية عن الخدمة، ووعورة الطرق وفقدان الأمان، ما سبّب زيادة بوفيات الأمهات بمعدلات طفيفة وعودة معدلات وفيات الأطفال والرضع للارتفاع ولو بشكل طفيف، وهي لا شكّ مؤشرات سلبية.
وعما أظهره التقرير من مؤشرات خاصة بالتركيبة والحالة الاجتماعية (الزواج)، فقد لوحظ ارتفاع نسب العازبين نتيجة ارتفاع متوسط سن الزواج، وعلى خطٍ متوازٍ ارتفاع نسب الزواج المبكر الذي يعتبر محدداً وبشكل أساسي لارتفاع الخصوبة، ما يشير وفق التحليلات الديموغرافية إلى ارتفاع معدل الخصوبة وعدم انخفاضه، على الرغم من تأثير عامل الهجرة على معدل النمو السكاني العام الذي يخضع لثلاثة محددات: الولادات والوفيات والهجرة، فيما يحدّد معدل النمو الطبيعي وفق الولادات والوفيات التي ما تزال ضمن المعدلات المرتفعة.
ومن الجدير ذكره أن تقرير حالة السكان الذي تعدّه الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان يصدر كلّ سنتين تقريباً، فيما يصدر تقرير السكان العالمي الذي تعدّه الأمم المتحدة سنوياً.