ريكاردو بيرنارديس.. مزيج استثنائي بين الإيقاعات السورية والسامبا
ملده شويكاني
“أحب سورية، أحب دمشق القديمة وأسواقها، أحب الجامع والزعتر وكلّ السوريين اللطفاء” هذا ما قاله المايسترو البارازيلي ريكاردو بيرنارديس، الذي قدم إلى سورية بمرافقة فرقة أميركانتيغا بمشاركة فيرناندو أراوخو – باريتون – ولواندا سيكيرا – سوبرانو، في حديثه الخاص مع “البعث” في الحفل، الذي أقامته سفارة البرازيل في دمشق في دار الأوبرا لمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للبرازيل بمرور مئتي عام وعام واحد على الاستقلال عن البرتغال، وترافق مع إقامة أمسية برازيلية، بالتعاون مع وزارة الثقافة، بقيادة ريكاردو بيرنارديس الفرقة السمفونية الوطنية السورية ببرنامج منوّع بمقطوعات كلاسيكية، كتبها مؤلفون برازيليون لأوبرات رائعة، إضافة إلى أنواع من السامبا والموسيقا الشعبية، وقد استطاع عازفو الفرقة تأديتها بمهارة كبيرة.
التيمباني والطبل الكبير
الملفت هو التعرّف إلى أنماط جديدة من الموسيقا البرازيلية وتفصيلاتها غير المألوفة لدى جمهور الأوبرا، إذ عزفت السمفونية سابقاً العديد من المقطوعات البرازيلية المبنية على الإيقاعيات والتي تعود إلى أصول إفريقية. وفي الأمسية قدّمت الفرقة أعمالاً رائعة تعود إلى القرنين السابع عشر والثامن عشر اتسمت بالهدوء الموسيقي في بعضها وبدور الوتريات، إلا أن الدور الأكبر كان لضربات التيمباني والطبل الكبير والصنجات، ضمن تشكيلة الفرقة الكبيرة وتداخل آلات النفخ النحاسية والخشبية بالبناء الموسيقي، مع حضور الهارب في مواضع.
مقطوعة الاستقلال
افتُتحت الأمسية بمقطوعة الاستقلال للمؤلف بيد ورودي ألكانتارا- 1834-1798 بالتوازي بين الوتريات وآلات النفخ النحاسية والخشبية مع ضربات التيمباني وتصاعد المتتالية الإيقاعية مع الطبل الكبير، تخللتها انعطفات للآلات النحاسية.
الوشاح الأحمر
ثم آرية من أوبرا “النساء المتغيّرات” للمؤلف ماركوس بروتوجيل -1830-176 بغناء لواندا سيكيرا وفق تقنيات الغناء الأوبرالي وبأدائها التعبيري وتوظيف وشاحها الأحمر على كتفيها كأداة من أدواتها التعبيرية، بدور الوتريات بالإيحاء ببداية قصة الأوبرا، ومن ثم دور الباصون وآلات النفخ والحوارية مع الوتريات، بالثنائية الغنائية الرائعة بينها وبين فيرناندو أراوخو، وبدت مشاعر العتاب والغضب بأداء المقطع الثاني وانضمام الهارب إلى الفرقة -رهف شيخاني- وتفاعل الآلات النحاسية والإيقاعيات اللحنية.
الأمير الهندي
وبنيت افتتاحية أوبرا غواراني للمؤلف كارلوس غوميز-1896-1836 على الانتقالات اللحنية المفاجئة بين الهدوء والتصاعد بدور النحاسيات بمرافقة خافتة لمتتالية ضربات التيمباني في مواضع، ومن ثم دور الفلوت والهارب إلى تكرار المتتالية الإيقاعية بالقفلة، وكانت رائعة بالأداء الغنائي والتعبيري، لمجريات قصة الأوبرا التي تدور حول قصة حب بين أمير هندي وفتاة تنتمي إلى أسرة برتغالية من طبقة النبلاء.
سامبا وتيكو تيكو
ومن أجمل ما قدّمته الفرقة التنوع اللحني الإيقاعي مع الصنجات والآلات النحاسية في “سويت- سامبا” متتالية للمؤلف أليكساندري ليفي 1892-1864.
المنعطف بالأمسية بتفاعل الجمهور الكبير مع المقطوعة المألوفة “تيكو تيكو” للمؤلف زيكينيا دي أبرو – 1935 – 1880 والغناء الثنائي مع تصفيق الجمهور على وقع الإيقاعيات.
برازيليو
واختُتمت الأمسية بأغنية شعبية وطنية “برازيليو” للمؤلف المعاصر آري باروس -1964-1903 تميّزت بألحانها الإيقاعية وخاصة اللحنية والغناء بمرافقة الباصون والتشيللو في مواضع، تخللها فاصل للوتريات والنفخيات.
ولتصفيق الجمهور المطوّل أهدى المايسترو نارديس الجمهور مقطوعة برازيلو مرة ثانية.
وكانت باقة الورد التي قدّمها المايسترو ميساك باغبودريان لقائد الفرقة ريكاردو بيرنارديس تعبيراً ودياً عن العلاقات الثقافية الموسيقية التي تربط بين سورية والبرازيل، وعن سعي السمفونية الوطنية السورية لتبادل الخبرات والثقافات بشكل دائم.
المزيج السوري- البرازيلي
وعلى هامش الأمسية تحدثت “البعث” مع المايسترو ريكاردو بيرنارديس، فأعرب عن سعادته بزيارة سورية وإعجابه بكلّ ما شاهده في دمشق، متوقفاً عند دمشق القديمة وأحيائها التي تدلّ على حضارة عريقة وعظيمة. وتطرّق إلى المزيج الاجتماعي السوري البرازيلي من خلال الكثير من العائلات السورية التي هاجرت إلى البرازيل منذ القرن التاسع عشر، وعن وجود العديد من العائلات السورية التي قدمت خلال المئة عام المنصرمة إلى المنطقة التي يسكن فيها بالبرازيل.
الاستقلال عن البرتغال
وتحدث عن أهمية الاحتفال باليوم الوطني للبرازيل، يوم استقلال البرازيل عن البرتغال في السابع من أيلول عام ألف وثمانمئة واثنين وعشرين -1822- والاحتفال بمرور مئتي عام وعام واحد على الاستقلال.
العنصر السوري
وأشاد بالموسيقيين السوريين، موضحاً أن الهدف من إقامة الأمسية ليس فقط العزف على آلات الموسيقا البرازيلية، أو عزف الموسيقا البرازيلية، وإنما بإضافة العنصر السوري إلى الموسيقا البرازيلية من خلال إضافة الإيقاعات السورية إلى السامبا البرازيلية لخلق مزيج استثنائي من الموسيقا -ترجمة رامز طباع- من سفارة البرازيل.
كتيب “أمريك“
وخلال الحفل باليوم الوطني وزعت السفارة كتيباً مصوّراً بعنوان (أمريك) عن الحضور العربي في أمريكا الجنوبية وليس البرازيل فقط، وفق ما كتب في المقدمة: “إن الحضور العربي هو جزء لا يتجزأ من ماضي أمريكا الجنوبية وحاضرها، بسبب الروابط التاريخية والإنسانية والثقافية والسياسية والاقتصادية التي تجمع المنطقتين”.
ويحتوي الكتيب مجموعة صور من ثلاثة وعشرين محترفاً من أمريكا الجنوبية، يتناول بعضها صور العائلات المهاجرة مثل عائلة ديمتري ديب، وعائلة شيخ محسن علي معلم اللغة العربية في الأرجنتين المؤسّس لأول “راديو إسلامي في الأرجنتين”.
التراث العربي اللامادي
ويفرد مساحة لمعالم أثرية مثل كنيسة اللاينيا –سالفادور-باهيا، وكنيسة سان جورج للأرثوذكس في كوروتيبا، وقصر لا كلوريتا في مدينة سوكري– بوليفيا، إضافة إلى مجموعة لوحات من الخط العربي وصور من التراث اللامادي للمشغولات اليدوية التي رافقت المهاجرين من بلدهم الأم، مثل صورة ثوب مطرز لبيرتا طرفة بيد أمها وصلت من سورية إلى البرازيل أثناء الحرب العالمية الأولى 1914، ولعبة سورية في بيت ريتا عشي في مقاطعة خوخوي، وعلبة النرد التي انتشرت في كامبو غراندي.
سير ذاتية
وفي جانب آخر تناول باختصار السير الذاتية لأفراد أثروا بالحياة الاجتماعية مع صورهم مثل عازف العود جرجس شاشا من حلب وصل إلى البرازيل عام 1962، والعديد من صور يوميات المهاجرين ونشاطاتهم، وأماكنهم وأعمالهم.
وثائق
كما عُني الكتيب بعرض صور وثائق أصلية للسيدة جميلة ملك الحاج أحضرتها معها من لبنان إلى البرازيل تعود إلى القرن التاسع عشر وصادرة عن الإمبراطورية العثمانية، وهي جزء من تاريخ أنابوليس وبرازيليا.