فيتنام غير مهتمة بزواج المصلحة مع الولايات المتحدة
عائدة أسعد
بدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن زيارة إلى فيتنام تستمر حتى اليوم الاثنين كجزء من إستراتيجية واشنطن للاستفادة من هانوي لمواجهة نفوذ بكين في المنطقة، وقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في الأول من أيلول الجاري، إنه يتطلع إلى زيارة الرئيس بايدن “التاريخية” إلى هانوي للاحتفال بكل ما حقّقه البلدان معاً، والتخطيط لمستقبلهما المشترك.
ولكن بالتمعّن في ما هو نوع المستقبل المشترك الذي تريد الإدارة الأمريكية بناءه مع فيتنام خلال الزيارة التاريخية لبايدن، قد يكون الأمر مخيباً للآمال بالنسبة لواشنطن، ومن غير المرجّح أن تهتمّ فيتنام بزواج المصلحة مع الولايات المتحدة على الرغم من وجود خلافات ونزاعات بين فيتنام والصين، وتكمن الأسباب في ما يلي:
- إن العلاقات الفيتنامية الصينية تتمتّع بتاريخ طويل، أطول بكثير من التاريخ الأميركي بأكمله، واستناداً إلى بعض الحسابات الإستراتيجية فقط لا تستطيع فيتنام أن تتكاتف مع الولايات المتحدة، وتقف ضد الصين، فقد أولت فيتنام ولعقود من الزمن أهمية كبيرة لعلاقاتها الصحية مع الصين، كما أن الأولوية الدبلوماسية التي تمنحها هانوي لبكين ستمنعها من تغيير سياستها الخارجية، وتشكيل تحالف عسكري أو استراتيجي مع الولايات المتحدة.
- نظراً لالتزامها تجاه رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، فمن غير المرجّح أن تلعب فيتنام دور الأخ الأصغر للولايات المتحدة، ومن المعتقد أن تشكل تلك الرابطة أهمية بالغة لتنمية وازدهار دول جنوب شرق آسيا، كما أن فيتنام تحتضن وتشارك في جهود آسيان لضمان السلام والأمن والاستقرار والحوار والتعاون، وتعلم فيتنام أن انخراطها في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين أو ميلها إلى جانب واحد، لن يؤدي إلا إلى الإضرار بمصالحها ومصالح رابطة دول آسيان.
- نظراً للشعور بالتفوق العنصري الذي يشعر به بعض الساسة المتعجرفين في واشنطن، وهو ما يدفعهم إلى إثارة المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان هنا وهناك وفي كل مكان، باستثناء بلدهم، فإن الولايات المتحدة لن تقبل فيتنام أبداً كشريك على قدم المساواة ومن الواضح أن السخرية التي تتحدث بها النخب الأمريكية عن الاشتراكية ستضرّ بكرامة الشعب الفيتنامي، لأن فيتنام دولة اشتراكية وهذا سيجعل من المستحيل على الولايات المتحدة إقامة علاقات أوثق مع فيتنام.
ومع ذلك، يتعيّن الاعتراف بأن الولايات المتحدة أصبحت الآن أكبر سوق للصادرات الفيتنامية وفقاً للبيانات الأمريكية، حيث تجاوزت تجارة السلع بين فيتنام والولايات المتحدة 138 مليار دولار في عام 2022، وهو توسّع ملحوظ من عدم وجود روابط اقتصادية تقريباً عندما أقيمت العلاقات قبل 28 عاماً.
وفيتنام دولة ذات سيادة ولها نفوذ متزايد على الساحة الدولية وهي قادرة على إصدار أحكامها وقراراتها بنفسها، وتعرف كيف تخدم شعوبها على أفضل وجه وتعزّز سياسات الآسيان ولكن بغضّ النظر عما قد تفعله، فإن كل المؤشرات تشير إلى أنها لن تصبح مخلب قط بالنسبة للولايات المتحدة، ومن المؤكد أنها ستتبنى بدلاً من ذلك سياسة أكثر توازناً في التعامل مع أكبر اقتصادين في العالم.
في 24 آب الفائت، وقبل أسبوع تقريباً من الإعلان رسمياً عن رحلة بايدن، أدلى السفير تران دوك ماو بتعليق في صحيفة “هانوي تايمز” حول تحرك جمهورية كوريا لبناء حقبة جديدة من الشراكة الثلاثية مع اليابان والولايات المتحدة، وأضاف أن هذه الخطوة أثارت قلقاً عميقاً لدى الصين وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، ومن ردود الفعل الصارمة من الصين وكوريا الديمقراطية، أصبح من الواضح أن علاقات الدول الثلاث مع الصين وكوريا الديمقراطية ستتدهور أكثر.
ولن يكون من الحكمة أن تستبدل فيتنام صداقتها التقليدية مع الصين بمستقبل مشترك مع الولايات المتحدة، وكما قال السفير تران دوك ماو، فقد قدمت جمهورية كوريا بالفعل درساً موازياً يصعب التخلّص منه، وليس من المستغرب أن يسعى القادة الفيتناميون إلى طمأنة الصين إلى أن علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة لن تلحق الضرر بالعلاقات الصينية الفيتنامية.
ووفقاً لصحيفة “فيتنام نيوز”، تمّ توقيع عقد تبادل الصداقة الثامن للدفاع الحدودي بين فيتنام والصين في مقاطعة لاو كاي شمال فيتنام ومقاطعة يونان الصينية المجاورة لها في الفترة من 7 إلى 8 أيلول الجاري، ومن الواضح أن هذا الحدث يهدف إلى تعزيز الثقة المتبادلة والتعاون بين الطرفين والدولتين ووزارتي الدفاع.
خلاصة القول، على الرغم من أنه يوجد لدى فيتنام دوافع اقتصادية لتعزيز العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة، إلا أنها لا تحصل على حوافز إستراتيجية طويلة الأمد حقيقية لتعميق العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، ولهذا السبب فإن زيارة بايدن إلى فيتنام، مثل تلك التي قام بها رؤساء الولايات المتحدة السابقون منذ بيل كلينتون، قد تكون تاريخية ولكنها ليست ذات معنى أو مثمرة بالنسبة للولايات المتحدة.