زلزال المغرب.. المساعدة دون دوافع جيوسياسية خفية
هيفاء علي
تعدّ الهزة الأرضية التي سجلت بقوة 7 درجات على مقياس ريختر وكان مركزها منطقة الحوز (وسط)، هي الأعنف في المغرب منذ قرن تقريباً، بحسب رئيس قسم بالمعهد الوطني للجيوفيزياء ناصر جابور، الذي كشف عن مئات الهزات الارتدادية التي تلت الهزة الرئيسية، بلغ بعضها نحو 6 درجات. فيما تواصل فرق البحث والإنقاذ عملياتها للوصول إلى جميع المناطق التي ضربها الزلزال، وأبرزها العاصمة الرباط والدار البيضاء ومكناس وفاس ومراكش، وأغادير وتارودانت.
أجواء مرعبة عاشها الملايين من أبناء المغرب خلال الساعات الماضية، وسط كرّ وفرّ ومبيت في الشوارع العامة والطرقات خشية تكرار الهزات الارتدادية مرة أخرى. ووسط التعاطف الدولي، أشارت سيلفي برونيل، الرئيسة السابقة لمنظمة العمل ضد الجوع، إلى أنه في مواجهة عروض المساعدات الإنسانية ذات الدوافع الجيوسياسية الخفية، من حق المغرب المشروع أن يضع نفسه كدولة ذات سيادة، فعندما تتعرّض دولة ما لكارثة، فإن الأمر متروك لها لطلب المساعدة، إنها مسألة سيادة. مضيفةً أنه ليس هناك مجال لتدفق الإغاثة الدولية إلى بلد ما، إلا في حال طلب هذا البلد أو ذاك المساعدة، كما حدث في هايتي في عام 2010. فبعد الزلزال، كان هناك اندفاع إنساني لأن الدولة لم تعد في وضع يسمح لها على الإطلاق بمواجهة هذا الزلزال. ولكن كان هناك جدل فيما بعد حول حقيقة تجريد هايتي من سيادتها، وكانت اللجنة المؤقتة لإعادة إعمار هايتي تحت قيادة بوش مباشرة ثم كلينتون.
وأوضحت برونيل أن المساعدات الإنسانية الدولية تنتقل دائماً من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، وباعتبارها دولة ناشئة تريد أن تكون محاوراً لأوروبا وتطمح إلى اكتساب مكانة القوة الإقليمية في أفريقيا، فإن الرباط تريد أن تثبت أنها ذات سيادة، وقادرة على قيادة عمليات الإغاثة، وليس على التصرف كدولة فقيرة. الجميع يأتي للمساعدة الخيرية، بعد ذلك، باستثناء الحالات الاستثنائية التي يكون فيها الأشخاص عالقين في فتحات الهواء أو التجاويف، تقلّ فرص العثور على ناجين بشكل كبير. وبحلول الوقت الذي تصل فيه المساعدة الدولية، يكون الأوان قد فات بالفعل للأسف. وباسم هذه الفرصة الضئيلة لإنقاذ الناجين، فإن الخطر الذي يواجه المغرب هو فقدان سيادته. ومن ثم، فإن استعجال الإغاثة أثناء المآسي الإنسانية يشكل مصدراً للعديد من المشكلات: الازدحام، أو سوء التنسيق، أو ازدحام الطرق، أو إقامة هياكل لا يريدها المغاربة بالضرورة، وبالتالي، فإن أي عملية إنسانية هي في المقام الأول عملية جيوسياسية، والهياكل الإنسانية هي بمثابة حصان طروادة للإعداد، وإجراء الاتصالات، وإظهار من هم المحسنين. لذلك ترفض الرباط أن تكون ميداناً واسعاً للعمليات الإنسانية التي لن تكون لها السيطرة عليها بعد الآن.
خلال كارثة تسونامي التي وقعت عام 2004 في جنوب شرق آسيا، تمركز الأمريكيون على الفور لمساعدة إندونيسيا، حيث كانت الطريقة المثالية لاستعادة موطئ قدم في منطقة من العالم، حيث كان يُنظر إليهم بشكل سيئ للغاية في ذلك الوقت.
لقد قدّم الشعب المغربي في هذه المأساة واحدة من أروع لوحات التكاتف والتعاون والإخاء، حيث تسابق الجميع لإغاثة الملهوفين وتقديم أوجه الدعم، فخرجت مئات العربات المحمّلة بالغذاء والدواء والكساء من كل مناطق المملكة إلى الأماكن المتضررة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وإغاثة إخوانهم والمساعدة في أعمال التنقيب والبحث.
يحبس الملايين من المغاربة أنفاسهم خلال الساعات القادمة في انتظار الانتهاء من أعمال الإزالة والتنقيب والبحث عن ضحايا أو ناجين جدد تحت أنقاض مئات البنايات التي سويت بالأرض جراء الزلزال المدمر، فيما يخيّم الترقب والهلع على الأجواء خشية تكرار أي هزات ارتدادية أخرى تعيد الكرة مجدداً.