ثقافة الإرادة الإيجابية
غالية خوجة
تزدحم الحالات الإنسانية المختلفة في كل مكان، وكيفما اتجهت ترى مشهداً بانورامياً متحركاً بصور عديدة منها الدرامي، ومنها التراجيدي، وأشد ما يلفتك تلك الحالات التي تتعلّم منها الإرادة الذكية المتأقلمة مع واقعها الجديد جسدياً واقتصادياً واجتماعياً وصحياً ونفسياً، لتستمر في الحياة رغم كل الظروف السوداء والضبابية المتشكّلة كخلفية للمشهد البانورامي.
ولم تكُ يوماً أيامنا مزدحمة بهذه الكثافة من الناس المصابين جسدياً إلاّ بعد الحرب والزلزال والحصار، لكنهم لم يستسلموا لآلامهم، ولم تكسر ثقتهم بأنفسهم تلك الإصابات، بل زادتهم شجاعة وتحديات، وجعلتهم أقوى، فلم يجد اليأس إلى قلوبهم أية طريق، وظلوا ناهضين بالهمم، أصحاء روحياً، وأذكياء تفاعلياً، يقودون أيامهم كما يقودون عكازاتهم أو كراسيهم المتحركة، غير عابئين بالثقل الجديد المضاف لأعبائهم وهمومهم، بل يقومون برعاية أنفسهم والعناية بها، منطلقين في الشوارع ليشتروا احتياجاتهم ولوازمهم، ممتنين لأية مساعدة يقدمها الآخرون سواء الكلمة الطيبة، أو المساعدة في قطع الشوارع، فيبتسمون حامدين، مقتنعين، حالمين بأن تعود الحياة الجميلة إلى سوريتهم الجميلة.
هم هكذا يمضون بثقافتهم الحياتية التي تعلّم الكثير من الأصحاء كيف يديرون العجلة باتجاهها الصحيح، وكأنهم من أبطال قصائد وموسيقا “كارمينا بورانا” وهي تردد مع عجلتها لا أحد يظل في الأعلى ولا أحد يظل في الأسفل: “أيها القدر، مثل القمر، متبدّل الأحوال، تقترب، وتتراجع، وتجعل حياتنا بغيضة، قاسية الآن، وشافية غداً”.