ثقافةصحيفة البعث

هواجس أنس حامد اللونية

حلب – غالية خوجة 

تتلوّن التعبيرية الفوتوغرافية في تجربة التشكيلي أنس حامد، رئيس فرع إدلب لاتحاد الفنانين التشكيليين، بين التصويرية والخطية وملامح الحدث بدلالاتها الواضحة أو الرمزية ومتحولات الذات والمجتمع بين بيئتها النفسية والاجتماعية والحياتية. وهذا ما أكده معرضه الفردي الأول المقام لمدة أسبوع في صالة الأسد للفنون التشكيلية – صالة الاتحاد – من خلال 36 لوحة اتسمت بتنوع الثيمة الموضوعية بين حبّ وحرب وزلزال وأحلام ومعاناة وتفاؤل.

العلاج بالمحبة

اتسمت ألوان حامد بتدرجاتها المائلة إلى الغامق غالباً. يقول: أعرض معاناتنا الحالية، وأحبّ أن أقول علينا أن نحبّ بعضنا البعض، كما في لوحتي المعنونة “دعوة حب”، أو في تكويناتي الخطية المعتمدة على حرفين هما “الحاء والباء” بألوان نارية متداخلة مع النقطة والخلفية الزرقاء والخضراء بتشكيلات هندسية متناغمة، تكريساً لهذا الحب الذي يليق بنا، ودونه لا نستطيع أن نعيش ونحيا، وما يبدو في أعمالي غيمة أسى هي غيمة صيف عابرة، لأن نور الحق موجود، ويلمع مع الألوان الزاهية الأخرى وحركاتها الأفقية والعمودية والدائرية والانسيابية، وحروفها الأخرى مثل الهاء في لوحة لفظ الجلالة، والميم في اسم الله الرحمن، والحاء في اسمه الحيّ، والحاء الحمراء في لوحة “البانوراما الثلاثية” المرتكزة على الذراع الممدودة مثل باء مكملة للحاء، أو مثل جسر منقذ للواقع الممزق، المتلاحم بثلاث لوحات تتوسّطها دائرة النور ونقطتاها المربعتان الزرقاوان، وتناغم الألوان الأخرى مع بقية العناصر وإيقاعاتها الزرقاء والخضراء.

شخصيات واقعية تتسلل

وشير إلى لوحاته الرباعية عن الزلزال، متوقفاً عند ثالثتها، وهو يقول: رسمتها في 7 شباط الماضي، أي في اليوم الثاني للزلزال، ولم أنتبه كيف تجمهر الناس فيها بين الأسود والأحمر والخراب، وكيف تمركزت لوحتي حول شخصيتين خرجتا من لا وعيي، وبعدما انتهيت، اكتشفتُ أنني رسمت ابن صديقي محمد نور وزوجته الحامل اللذين قضيا في الزلزال، فوقفت أمامها بجمود وذهول!

وأكمل: بينما في لوحات الزلزال الأخرى، يبدو التوقيت بين آخر الليل وأول الفجر، كما تبدو العقول النيّرة تضيء بالأصفر وتدرجاته من كلّ هذه القتامة كما تضيء شمس الأيام التالية، وهذا يقيني أن سورية ستعمّر بهذه العقول التي ستنقذ البلد من الإرهاب وآثار الكوارث، وهذا ما أرمز إليه بلوحة “الولادة والنبع”، وأشير بلوحة (الآخ) إلى الأخ، وألتقي بشخوص اللوحة ومنهم هؤلاء السيدات الراقيات مع حكاياتهن عن المعاناة التي تمحوها الألوان الفاتحة بالتدريج.

الشجرة نحن

وعن الشجرة النافرة؟ يجيب: معجون تقني من الورق المعالج واللون، وهي شجرة من الديمومة والطفولة والذاكرة الراسخة من جبل الأربعين الذي أنا منه، وأراها نحن بجذورها وجذعها وأغصانها وأوراقها وألوانها التي مرّ عليها فصول وأزمان.

اللوحة تحاورني

ويسترسل: لا أتخيّل شكل اللوحة قبل أن أرسمها، لأنني أشعر بأنها تحادثني، فتقول لي: هنا اختنقت وأريد أن أتنفس، أريد أن أحيا، فأشعر بها وكأنها ذاتي الأخرى وهي تحاورني، كما أني وظّفت خبرتي في الغرافيك والطباعة المباشرة مع التشكيلات الخطية واللونية.

تأثيرات فنية

بدوره، رأى التشكيلي إبراهيم داود، أمين سرّ فرع حلب لاتحاد الفنانين التشكيليين، أن الفنان حامد أطلق على معرضه عنوان “هواجس” ليأخذنا إلى أعماله وأفكاره المتشاكلة مع الحالات النفسية الذاتية والاجتماعية المُرّة والمشبعة بالألم، ولاسيما أنه نزح من إدلب إلى حماة، وهذا ما تعلنه أعماله الموزعة إلى مجموعتين حروفية، وتعبيرية متمحورة حول شجرة الزيتون كدلالة على الأرض، كما أن هذه الضغوطات تظهر في تقنياته وتأثيراته الفنية الخاصة.

وبينما ركّز التشكيلي محمد صفوت على الرياضيات الفنية الخاصة التي تأثر بها حامد، خصوصاً، في “الثلاثية” العاكسة لضميرنا نحن، لاحظت الفنانة هدى حسين أن أعماله من الفن الحديث المعتمد على السرعة والتقنية وانسجام الألوان من الناحية النفسية وهذا يمنح الهدوء.

وقالت المدرّسة هناء دوبا بعفويتها وبهجتها بحضورها لهذا المعرض كونها لم تلتقِ بالفنان وأعماله منذ عام 1992: الملفت هو دمج الألوان بجمالية واقعية وروحية تحكي عن نفسها وما يجول من خواطرها وأحداثها معبّرة عنّا.