العلاقات الاقتصادية والسياسية بين روسيا والصين
ريا خوري
تنامت العلاقات الصينية – الروسية بشكلٍ متزايد، فقد وصلت إلى مرحلة التنسيق الاستراتيجي، وهذا ما أثار قلقاً كبيراً للعديد من القوى الإقليمية والدولية التي ترى في تلك العلاقة خطراً يهدِّد هيمنتها ونفوذها، خاصة وأنّ التعاون بين البلدين يشمل العديد من القضايا الإستراتيجية المهمّة منها: التنسيق السياسي والدبلوماسي في القضايا الدولية، والتسليح العسكري، والتعاون المشترك في مجالات البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، بالإضافة إلى التجارة المتبادلة بين البلدين.
لقد كانت العقوبات الجائرة على روسيا دافعاً لتطوير حجم العلاقات الاقتصادية بين روسيا والصين على نطاق واسع، فقد شهد حجم التبادل الاقتصادي والتجاري خلال العام الماضي 2022 تطوراً لافتاً تمّ اعتباره محطة جديدة وقوية في إطار التعاون الاقتصادي بين البلدين.
الجدير بالذكر أنّ العلاقات الصينية – الروسية لم تتأثّر بالعقوبات الغربية، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري من مائة وسبعة وأربعين مليار دولار أمريكي في العام 2021 إلى مائة وتسعين مليار دولار للعام الماضي 2022، وبزيادة تصل إلى نحو ثلاثة وأربعين مليار دولار أمريكي خلال عام واحد. ليس هذا فحسب، بل تحوّلت روسيا إلى المورِّد الأكبر والأساسي للغاز إلى السوق الصينية.
وقد بيَّنت بيانات الإدارة العامة للجمارك في الصين أنَّ واردات الصين من النفط الخام القادم من روسيا قفزت نحو 8% في العام الماضي 2022 مقارنةً بالعام الماضي إلى نحو ستة وثمانين مليوناً ومئتان وخمسين ألف طن، بما يعادل المليون وسبعمائة ألف ومئتي برميل يومياً. كما تفيد المعطيات أنّ توريد الغاز الروسي المسال إلى الصين قد ارتفع خلال العشرة أشهر الأولى من العام الماضي 2022 سنوياً إلى اثنين وثلاثين بالمائة، ووصل إلى أربعة ملايين وتسعمائة وثمانين طناً. وكانت شركة “غاز بروم” الروسية العملاقة قد أعلنت أنّ صادراتها من الغاز الروسي إلى الصين قد وصلت إلى نحو خمسة عشر ملياراً وخمسمائة مليون متر مكعب خلال العام الماضي 2022 .
بالإضافة إلى ذلك، استمرت مشاريع الطاقة الروسية بالتقدم في مجال مدّ خطوط أنابيب الغاز العملاق (قوة سيبيريا 2) الذي يهدف بعد إنجازه إلى نقل نحو خمسين مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى الصين، حيث سيتمّ التوقيع على إنشائه مع الصين قبل نهاية العام الجاري 2023 .
حالياً تصدّر روسيا غازها الطبيعي من سيبيريا إلى شمال شرق الصين عبر خط أنابيب الغاز “قوة سيبيريا 1″، وهي تهدف إلى توصيل ثمانية وتسعين مليار متر مكعب من الغاز، ونحو مئة مليون طن من الغاز الطبيعي المسال إلى حليفتها الدبلوماسية والاقتصادية الصين بحلول عام 2030.
إنَّ انفتاح الاقتصاد الروسي على الاقتصاد الصيني إنما يخدم في الإطار نفسه رغبة الصين في الاستفادة الكبيرة بالحصول على طاقة بأسعار أرخص، فضلاً عن الحصول على تكنولوجيا عسكرية متطورة ودعم دبلوماسي كبير لمصالح الصين الدولية. ففي مجال التعاون الاستراتيجي كان هناك تطور لافت، بما في ذلك التعاون في مجالات الطاقة والطائرات بأنواعها وقطاع الفضاء، وبناء المحطات الدولية، وكذلك في مجال خط قوة سيبيريا الذي يموّل الصين بالغاز الروسي. كما يوجد تعاون عسكري ومناورات مشتركة بين البلدين كأحد أوجه التعاون المُهمّة بينهما. ليس هذا فحسب، بل وصل حجم التنسيق بين الصين وروسيا في مجال العلاقات السياسية الدولية إلى مدى كبير، بما في ذلك المسألة الأوكرانية التي كان لها تأثير دولي كبير، إذ تقدّم الصين مبادرة للخروج من الأزمة الملتهبة تستند إلى مبادئ القانون الدولي وحفظ الأمن والأمان والسلام لكل الدول بغضّ النظر عن حجمها الاقتصادي والسياسي.