شيخوخة زراعية…!
غسان فطوم
مستقبل الزراعة في بلدنا لم يعد آمناً.. هذا الكلام ليس للتخويف، وإنما حقيقة، والسبب ليس فقط في نقص الدعم الفعلي للقطاع الزراعي، بدءاً من حراثة الأرض مروراً بجني المحاصيل وصولاً لتسويقها، وإنما هناك سبب آخر يتعلّق بنقص اليد العاملة الخبيرة من جيل الخمسينيات والستينيات، فهؤلاء ممن بقي منهم على قيد الحياة أصبحوا في مرحلة عمرية متقدمة وغير قادرين على العمل بزراعة الأرض، كما كانوا “ملحها وبركتها”، أما أبناؤهم من جيل الثمانينيات والتسعينيات فليسوا متحمّسين للعمل الزراعي، فقد تخلّى عدد كبير منهم عن جذوره الريفية، وفضّلوا العمل في المدن واستكمال تحصيلهم العلمي، حتى بات لدى الغالبية منهم قناعة أن الزراعة لا تحقق المكانة اللائقة في المجتمع!.
غالبية دول العالم تنبّهت إلى هذه المشكلة، وبدأت تعمل بكل الوسائل المتاحة للحدّ من شيخوخة اليد العاملة في الزراعة بالعمل على تطوير النظم الزراعية والغذائية، وخاصة في المناطق الريفية، من خلال تشجيع الشباب على الاستثمار في المشاريع الزراعية بمختلف أنواع الزراعات، وتقديم المغريات لهم للتمسّك بالأرض وإقناعهم بأن العمل فيها مجدٍ أكثر من أي قطاع آخر، فمواسمها متعدّدة خلال العام ويمكن أن تجني أرباحاً كثيرة.
محلياً، لا ينوب قطاعنا الزراعي إلا الكلام، فمع بداية كلّ موسم زراعي، تُطرب آذان الفلاحين بسيمفونية الدعم لمستلزمات الإنتاج، والدعوة لاستثمار كافة الأراضي المتاحة للزراعة، بل والعمل على زيادتها، لكن بساتين وبيادر الفلاحين لا تعكس ذلك حين جني المواسم، هذه الحالة جعلت أبناء الفلاحين يفقدون الأمل بجدوى الزراعة رغم يقينهم أنها سلّة مليئة بالخير عندما تُدعم بشكل فعليّ، والسؤال هنا: هل فكرنا يوماً بدعم الشباب ودعوتهم للعمل بقطاع الزراعة انطلاقاً من أهمية دورهم والإيمان بقدراتهم في هذا المجال؟، للأسف تفاصيل الإجابة مليئة بسلال من الهموم والشجون التي تحتاج لسيل من الكلمات.
بالمختصر، العمل في قطاع الزراعة آخذ في التقلّص، لكن رغم ذلك كلنا يقين أن هناك عدداً كبيراً من شبابنا، بمن فيهم الخريجون في الجامعات لا مشكلة لديهم بالعمل في المشاريع الزراعية عندما تتوفر لهم البيئة المناسبة.
إذاً نحن أمام تحدّ كبير، فحتى نكسب الرهان ونضمن استمرارية اليد العاملة ونجدّد شبابها، على المعنيين في وزارة الزراعة العمل الجاد لكسب اليد العاملة الشابة من خلال دعمها وتمكينها بالتدريب والتأهيل المهني وتزويدها بالمعلومات الزراعية المهمّة، وتقديم المنح المالية المشجّعة على إطلاق المشاريع، والأهم تحسين بيئة العمل فيها لتكون جاذبة بما يكفي للمزارعين الشباب، فهل نشهد في الفترة القادمة إطلاق مشاريع زراعية تنموية شبابية مدعومة دعماً حقيقياً يعيد الخضار للأراضي البور التي تركها الآباء والأجداد؟!