فيضانات ليبيا تبرز الحاجة إلى الوحدة الوطنية
تقرير إخباري
في نهاية الأسبوع الماضي، ضربت العاصفة “دانيال” شرق ليبيا، ما تسبب بأسوأ فيضانات شهدتها البلاد في ذاكرتها الحية، وتشير الأرقام المحلية التي صدرت عن جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي إلى ارتفاع أعداد مصابي الفيضانات والسيول جراء العاصفة، كما تفيد التقارير بأن ما لا يقل عن 10 آلاف شخص أصبحوا في عداد المفقودين، ويخشى أن يكون الآلاف قد لقوا حتفهم فضلاً عن نزوح كثيرين آخرين.
تسببت العاصفة في انهيار سدين ما أدى إلى فيضانات هائلة بملايين الأمتار المكعبة من المياه، حيث تعرضت مدينة درنة لأضرار جسيمة، ودمرت أحياء بأكملها وألحقت أضرار جسيمة بالمرافق الصحية وإمدادات المياه، لذا واجهت جهود الإغاثة في درنة عوائق كبيرة في الوصول إلى المدينة حيث لا تزال المدينة مغمورة بالمياه، مع تدمير الطرق وتعطل أنظمة الاتصالات إلى حد كبير.
لقد أظهر حجم تأثير العاصفة خاصة في مدينة درنة نموذجاً لتشابك العناصر التي قادت للكارثة الإنسانية، وفي مقدمتها تغير المناخ، والصراع السياسي والعسكري الذي تعيشه البلاد منذ أكثر من 11 عاماً، بالإضافة إلى ضعف وتهالك البنية التحتية، وما يتعلق منها بالإنذار المبكر ومحطات الرصد والتنبؤ المتعلقة بالأرصاد.
وحسب خبراء البيئة تتضاعف المخاطر المحتملة بسبب الدمار الذي سببه الإعصار، والتلوث البيئي الذي قد يتسبب في انتشار الأوبئة، إضافة إلى تضرر التربة التي تشبعت بكميات كبيرة من المياه المختلطة بالصرف الصحي والنفايات، لذا يرى الخبراء أن هذه الكارثة هي بمثابة نداء تنبيه مؤلم إلى أهمية الاستثمار في الاستعداد لمواجهة الكوارث، خاصة أن لدى ليبيا أطول ساحل على البحر الأبيض المتوسط بين الدول الأفريقية، ما يزيد من خطر حدوث فيضانات مدمرة، كما أنها تتمتع بجغرافيا مختلفة، مع مساحات واسعة من الأراضي الصحراوية الجافة، وهي عرضة لمخاطر تغير المناخ على المدى الطويل.
من الواضح، أنه لم يتم الاستعداد للكوارث في ليبيا منذ فترة طويلة، وهو الوضع الذي تفاقم بسبب عقد من عدم الاستقرار والشلل السياسي في أعقاب ما سمي بـ “الربيع العربي”.
ومع ذلك، تآزرت السلطات المتمركزة في غرب ليبيا، إلى جانب مبادرات الإغاثة المحلية من العديد من المدن الليبية، لتقديم المساعدة للمناطق المتضررة من الفيضانات في الشرق. ونظراً لانقسام ليبيا إلى إدارتين متنافستين في الشرق والغرب منذ عام 2014، فإن هذه الوحدة في مواجهة الكارثة يمكن الاستفادة منها لاحقاً في الجهود متعددة المسارات لتعزيز المصالحة.
وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أنه على الرغم من الصراع السياسي المستمر في ليبيا، عززت الأزمة الإنسانية التضامن بين المدن، حيث تم إرسال قوافل المساعدات الإنسانية من المدن الغربية، مثل طرابلس ومصراتة، باتجاه المدن الشرقية المتضررة.
في الوقت نفسه، يرى مراقبون أنه لا ينبغي أن يساء تفسير المأساة التي حلت بمدينة درنة باعتبارها مجرد نتيجة لكارثة طبيعية، ولا يمكننا أن نتجاهل الجانب الذي هو من صنع الإنسان لهذه الكارثة، حيث يمكن أن يُعزى الانهيار الكامل للسدود، وهي ركيزة حيوية للبنية التحتية الوطنية في ليبيا، إلى إهمال الحكومات المتعاقبة منذ بنائها في السبعينيات.
لذا يرى الخبراء أن انهيار السد لم يكن حدثاً غير متوقع، كما أن الليبيون يتبادلون الآن على نطاق واسع دراسة أكاديمية نشرت العام الماضي، أشارت إلى تعرض درنة للفيضانات. ومع ذلك، لم يتم وضع أي خطط أو إجراءات، مثل الإخلاء الوقائي للسكان المحليين.
كما انتقد رئيس هيئة الطوارئ والإسعاف الليبية عدم الاهتمام بالظروف الجوية ومستويات سطح البحر وخطط الإخلاء في المناطق المتضررة، وبدلا من ذلك، قبل وقوع العاصفة مباشرة، فرضت السلطات في شرق ليبيا حظر التجول على جميع السكان، وبالتالي عرقلة جهود الإخلاء ومضاعفة حجم الخسائر البشرية.
من هنا لابد من النظر إلى هذه المأساة على أنها نداء تنبيه مؤلم لأهمية الاستثمار في الاستعداد لمواجهة الكوارث.
سمر سامي السمارة