الصين أذكى من إستراتيجية الحرب الباردة المحددة سلفاً
عناية ناصر
أصبحت “الحرب الباردة الجديدة” بين الصين والولايات المتحدة موضوعاً ساخناً للرأي العام، وهناك مقالتان تدللان على ذلك هما: “هذه هي الطريقة التي ننتصر بها في حرب باردة جديدة مع الصين” والتي نشرها في شهر آذار كيفن روبرتس، رئيس مجلس أمناء التراث، والأخرى “إن حرباً باردة جديدة يمكن أن تكون أسوأ بكثير من تلك التي نتذكرها”، وكتبها الاستراتيجي الأمريكي تشارلز أ. كوبشان في شهر حزيران الماضي، فهل “الحرب الباردة الجديدة” بين الصين والولايات المتحدة هي حقاً “حتمية” كما يعتقد المؤلفان؟.
كانت الحرب الباردة عبارة عن مواجهة شاملة دون “حرب ساخنة” بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي منذ الأربعينيات وحتى التسعينيات. إذا عدنا إلى التاريخ، فإن الحرب الباردة التي انتصرت فيها الولايات المتحدة لم تكن نصراً عسكرياً، ولم تكن الحرب الباردة نصراً سياسياً للولايات المتحدة أيضاً، حيث أدى صعود الصين إلى تحطيم الوهم وفشل “نموذج واشنطن” في كبح جماح تفوقها.
لم تدخر إدارة بايدن منذ وصولها إلى السلطة أي جهد للتكاتف سياسياً بهدف تنشيط تحالف القيم المشتركة ضد الصين، وإزالة الصبغة الصينية باسم “تقليل المخاطر” اقتصادياً، وبناء تحالف القيم المشتركة ضد الصين، وبناء دائرة المحيطين الهندي والهادئ لقمع الصين عسكرياً. ومن الواضح أن هذه الإستراتيجية الشاملة تمت صياغتها بوحي من عقلية الحرب الباردة، والغرض منها هو إدخال الصين في إطارها الاستراتيجي المحدد مسبقاً للحرب الباردة، لكن هذا ليس هو السبب الأساسي وراء مطالبة وسائل الإعلام الغربية بشن “حرب باردة جديدة” بين الصين والولايات المتحدة. فكما كان الحال في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، سوف تجد الولايات المتحدة صعوبة كبيرة في التغلب على الصين سياسياً وعسكرياً اليوم. ومؤخراً، صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن علناً أن الولايات المتحدة يجب أن تجد طريقة “للتعايش السلمي” مع الصين وسط منافسة شديدة.
إن الصين اليوم ليست ما كانت عليه من قبل، وبفضل الإصلاح والانفتاح في الصين ومد العولمة الاقتصادية، أصبح الاقتصاد الصيني مندمجاً بشكل عميق مع الاقتصاد العالمي. وفي هذا النمط، تتورط الولايات المتحدة وحلفاؤها في لعبتين مختلفتين تماماً في “المنافسة” مع الصين. وتنظر الولايات المتحدة إلى الصين باعتبارها “التهديد الأكبر”، وبالتالي تشجع على مواجهة “محصلتها صِفر”. ومع ذلك، بسبب الاعتماد الاقتصادي المتبادل الذي لا رجعة فيه، فمن الصعب “الانفصال” عن الصين، كما أن مجموعات المصالح الداخلية القوية في الولايات المتحدة تقاوم بشدة “الانفصال” عن الصين. وبدلاً من ذلك يتعين عليهم أن يحافظوا على التبادلات الاقتصادية العادلة حتى يتمكنوا من الاستمرار في كسب المال، وهي في الأساس لعبة “محصلتها إيجابية” قائمة على التسوية المربحة للجانبين.
بمعنى آخر، يعد اختلال المصالح الأمنية والاقتصادية أكبر عائق أمام الولايات المتحدة لتعزيز قوتها داخلياً والتحالف مع الصين خارجياً، وهذه العقبة تجعل من الصعب على الولايات المتحدة تجميع قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية لاحتواء الصين كما فعلت ضد الاتحاد السوفييتي.
والأمر الأكثر أهمية هو أن الصين لن تنجر أبداً إلى الفخ الاستراتيجي المتمثل في “حرب باردة جديدة”، ومن حيث الإيديولوجية، تتجنب الصين المواجهة الواضحة مع الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة تطرح ما تسميه “القيم العالمية”، قيم “الديمقراطية الليبرالية” المفروضة في الأساس، في حين تركز الصين على الصالح العام وتشجع بناء مجتمع عالمي ذي مستقبل مشترك، وتصر على سلوك طريقها الخاص دون تصدير إيديولوجيتها أو ترويجها أو إجبار الدول الأخرى على قبول مسارها الخاص. وعلى الصعيد الاقتصادي، تواصل الصين الانفتاح وتعزيز التنمية التعاونية لتحقيق نتائج مربحة للجانبين، وما دامت الصين ملتزمة بالإصلاح والانفتاح، فإن محاولة الولايات المتحدة “إزالة الطابع الصيني” عن اقتصادها هي اقتراح زائف.
إن الخصائص الأساسية للحرب الباردة والمواجهة الإيديولوجية والسياسية المتبادلة، والمواجهة العسكرية، و”الفصل” الاقتصادي الكامل، لا يمكن رؤيتها بين الصين والولايات المتحدة، والحرب الباردة الجديدة الحتمية المزعومة بين الصين والولايات المتحدة هي من تأليف الولايات المتحدة. ووفقاً لتصميم الولايات المتحدة، ستدخل الصين والولايات المتحدة في حالة ما يسمى بالحرب الباردة الجديدة، وعندها ستكون الولايات المتحدة وفق منظورها قادرة على جمع قواها السياسية والعسكرية والاقتصادية وقوات حلفائها معاً ضد الصين.
من الواضح أن الصين لم ولن تتبع خطوات الولايات المتحدة وتقع في إستراتيجية الحرب الباردة المحددة سلفاً. وبدلاً من ذلك، ستتمسك الصين بالتنمية السلمية والانفتاح، وستواصل السعي إلى التعاون دون مواجهة، وهكذا لا تستطيع يد واحدة أن تصفق لشن “الحرب الباردة الجديدة” دون الأخرى.