حلب الشهباء مدينة الحجارة المصغية للبهاء
حلب – غالية خوجة
حلب العصيّة على الأعداء والمغرضين تحضن أبناءها مثل التويجات وهنّ يحمين المياسم، فتنتشر رائحة العطر وتمتزج مع أول قطرات مطر خريفية، وتتفتّح ملامح المكان على العابرين الذين تقودهم قلوبهم من حي إلى حي، فيواصلون حياتهم التي لا تكتمل إلاّ بزيارتهم لمعالم مدينتهم القديمة الصامدة رغماً عن كل ما حدث.
ومثل العابرين أمشي بين الساحات والأزقة والمناطق القديمة النابضة بتراث إنساني محلي عالمي، متأملة ذاكرتها وحكاياتها المتداخلة مع أحاديث الناس وهمومهم وضحكاتهم، فأسمع أصواتاً مبتهجة لعائلة تلتقط صوراً أمام جامع شرف في ساحة الحطب، وأمضي ليسلّم عليّ صبي من ذوي الهمم من عادته اليومية الجلوس على حافة حجرية، ولكنّ صوتاً من تلك العائلة يناديني، فأعود لأكتشف أنه المهندس محمد إسماعيل أحمد الاستشاري في التراث العمراني، ابن الجزيرة، من الحسكة، عضو في كل من لجنة التراث في نقابة المهندسين، ومجلس إدارة جمعية العاديات، وعضو مؤسس في “إيكوموس سورية، وهي – كما أخبرني – الذراع التنفيذي لليونسكو، وتضم مجموعة من الخبراء والمهندسين في مجال التراث العمراني، فنبدأ حوارنا السريع بسؤاله عن المرحلة التي آل إليها جامع شرف، خصوصاً، وأنه من فريق إعادة بنائه، وماذا عن المعالم الأثرية الأخرى؟
لا تكون إلاّ بسكّانها
يجيبني: حلب مدينة تستحق البهاء، وتستحق أن يعاد إليها ألقها، مدينة ما تزال جرحاً نازفاً، لكنه يمدّنا بالقوة ووحدة الصف وإعادة بناء هذا الوطن، وليس فقط دُور العبادة من مساجد وكنائس، بل السكن والأسواق أيضاً، لأن حلب القديمة لا تكون إلاّ بسكّانها، والهدف هو بثّ الأمل في النفوس، وصياغة زمنها المناسب بإمكاناتنا وإمكانياتنا، تماماً، كما نفعل ونحن نعيد بناء المعالم الأثرية والوطن، نحن نعمل في الزمن الصعب.
العمل بين الأطوار
ويكمل: جامع شرف، ربما.. يفتتح رسمياً في عيد المولد النبوي الشريف، فالمنبر في طور الانتهاء والباب الرئيسي الخشبي، وبعض التشطيبات البسيطة، كذلك، جامع برسين – المسلخ في أطواره النهائية، والشيباني وسوق اليبرق، وقريباً، سنبدأ العمل ونتابعه في جامع إبشير باشا في حي الجديدة، ونحن في مرحلة ترخيصية للملا خانة ، التكية المولوية، ولقد رمّمنا المئذنة بعد الزلزال، فضلاً عن الكثير.
المُرْجِفون عثرة
وعن أهم الصعاب، أكد: عدا عن معاناتنا من الأمور المادية نتيجة الظروف الصعبة، وقلة اليد العاملة، وقلة المواد، وغلاء الأسعار، والحصار، أرى أننا نعاني من “المرجفين”، الذين يبثون اليأس بدل الأمل، ونحتاج لنقد فاعل، آملين التكاتف بعيداً عن العزلة، والحساسية والميول الفردية الشخصية.
ذاكرة الإنسانية
حلب مدينة الحجارة، وهذه الحجارة، ومنذ مئات السنين، سمعت الآذان والأجراس وحكايات الناس، فكيف لا نعيد بناءها بحجارتها القديمة المتوافرة؟ وهذه الحجارة وأخواتها في كافة المحافظات ذاكرتنا وذاكرة الإنسانية، لذلك، أقول: مهما فعلوا بك يا حلب، فإن باب الحديد لن يُفلّ، وباب الفرج لن يُغلق، أمّا باب النصر فلقد شرّع بحول الله وقوته ومدده لهذا الشعب والوطن.