مخترع شحّاد!!
غسان فطوم
لا زال المخترعون السوريون يعانون من الغياب الواضح والمستفز، فيما يتعلق برعاية واستثمار ابتكاراتهم، عدا عن الروتين في إجراءات الحصول على براءات الاختراع، فهي تمشي ببطء شديد كالسلحفاة. وإن حصلوا على الدعم فهو غير كافٍ، إذ غالباً ما يجد المخترع نفسه مضطراً لمدّ يده “كالشحاد” ليحصل على الفتات، علماً أن اختراعه لو تمّ استثماره بشكل جيد سيُدرّ الملايين ويوفر مثلها بالعملة الصعبة!
محزن هذا الواقع، وما يحزن أكثر أن نسمع ونقرأ عن مخترعين سوريين يبهرون ويدهشون العالم في بلدان الاغتراب، ومنهم من تبوّؤا مراكز متقدمة نظراً لجودة ما يبدعونه من اختراعات تتنافس الدول في استثمارها، والحصول على حصرية براءة الاختراع فيها!
وفعلاً صدق من قال “مزمار الحي لا يُطرب”، والدليل أن مئات الاختراعات السورية أجهضت بأرضها رغم جدواها الاقتصادية الكبيرة في حال دعمها واستثمارها، لذلك لا عجب أن تصبح الهجرة ملاذاً للمبدعين السوريين المحبطين، والغريب أننا نتغنّى باختراعاتهم أوقات المعارض المخصّصة، ونعدهم بسلة من الوعود البرّاقة، لكن للأسف سرعان ما يخبو بريقها بعد أن تُختتم الفعاليات أمام الكاميرات.
على سبيل المثال لا الحصر، هناك مخترع تقدّم منذ فترة طويلة بمشروع لوزارة النفط والثروة المعدنية وما زال ينتظر الموافقة على إطلاق منشأة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ولديه براءة اختراع بذلك. والمعلومات المؤكدة التي حصلنا عليها تبيّن أن المخترع حصل على شهادة من مركز بحوث الطاقة في وزارة الكهرباء تثبت فعالية وجدوى مشروعه في حلّ أزمة الطاقة والتخفيف من فاتورتها المرهقة، سواء للمصانع أو النقل، وحتى للتدفئة، وأيضاً إنتاج الكهرباء. لكن للأسف، ما زال هذا المشروع قيد الدراسة والأخذ والردّ، والمماطلة غير المبررة، علماً أن كلّ شيء مثبت ويؤكد الفائدة الكبيرة، وقسْ على ذلك كم من المخترعين المحبطين، ومنهم من اشتكى من سرقة براءة اختراعه عن طريق التقليد، ودخل دهاليز المحاكم التي لم تنصفه هي الأخرى.
والسؤال: لماذا كلّ هذه العرقلة؟ لماذا لا نحفّز المخترعين المبدعين ونتبنّى مشاريعهم وكأنّ هناك حرب إقصاء ضدهم؟!
نحن اليوم في مرحلة نعيش فيها بظروف اقتصادية ومعيشية صعبة جداً، ونحتاج فيها لعقل ويد كلّ سوري، فكيف إذا كان مبدعاً وقادراً على تقديم الحلول البديلة التي توفر على البلد المليارات من فاتورة العملة الصعبة؟!
المخترعون والمبدعون، في أي مجال كانوا، هم ثروة لا تُقدّر بثمن، فلماذا ندفنهم أحياء؟ لماذا ندفعهم للهجرة بعقولهم وأجسادهم، والحلّ بجرّة قلم؟!