اقتصادصحيفة البعث

مقترح بإحداث “مؤسسة إكثار الحيوان”

عبد الطيف شعبان
اعتاد أغلب المزارعين الاحتفاظ ببذار الحبوب الذي يلزمهم للعام الزراعي القادم من إنتاجهم من الحبوب المتنوعة التي جنوها في الموسم السابق، واعتبار ذلك أولية عندهم على غرار احتفاظهم بحاجتهم الغذائية من هذه الحبوب كمؤونة منزلية لعام كامل، ونظرا للأهمية الكبرى لزراعة الحبوب، ودرءا لعدم حصول أي نقص في البذار المطلوب، فقد قررت الجهات الرسمية أيضاً إحداث المؤسسة العامة لإكثار البذار منذ عشرات السنين، وقد عنيت واهتمت بشراء وتنقية وتخزين أنواع البذار الجيد من عام إلى عام – لعدة أنواع من الحبوب، ونسبة غير قليلة من المزارعين يعتمدوا في كل موسم زراعي على زراعة الأنواع التي تؤمنها لهم هذه المؤسسة، من خلال فروعها المنتشرة في المحافظات وفروع المصرف الزراعي وخاصة من مادة القمح وبأسعار تقارب كلفة شراءها وتخزينها، واعتاد المزارعون والتجار تحضير /شراء وبيع/ بعض الأنواع من البذور المحلية للحبوب والخضار وبأسعار مقبولة، ولكن بقيت البذور الزراعية ذات الإنتاجية العالية للعديد من محاصيل الخضار وخاصة الزراعات المحمية رهن التجار المستوردين ووصلت لأسعار خيالية وتباع بالغرام، ولكن مع الأسف – ولأكثر من حالة – ظهر الغش في بعض أنواعها.
أيضا اهتمت وزارة الزراعة بإحداث مشاتل عامة، متخصصة بتحضير مئات آلاف الغراس من أغلب أنواع الأشجار المثمرة ومن أنواع متعددة من الأشجار الحراجية، تبيع الغراس المثمرة نهاية فصل الخريف للمزارعين بقيمة رمزية لكل غرسة، وبقيمة أقل بكثير للغراس الحراجية، لا بل إن العديد من المشاتل الحكومية توزع بعض أنواع الغراس الحراجية مجانا دون مقابل كل عام وفي أكثر من منطقة، وتوجد مشاتل ذات ملكية خاصة لإنتاج غراس الأشجار المثمرة وبيعها للمزارعين، ولكن بأسعار مضاعفة عن أسعار المشاتل الحكومية.
هذا الاهتمام الملحوظ بالبذور الزراعية وغراس الأشجار المثمرة، ساعد بعض الشيء بتحقيق تنمية زراعية، وتوفر موسم زراعي كل عام وخاصة من مادة القمح التي قارب انتاجنا منها /4.5/ مليون في بعض الأعوام، ويمكن من تحقيق زيادة متتابعة في أعداد غراس الأشجار المثمرة وتزايد الأعداد المنتجة منها عاما بعد عام.
هذا الاهتمام المقبول في الزراعة لم يقابله اهتمام مقارب في الثروة الحيوانية، لاحكومياً ولا شعبياً، فاهتمامات المواطنين والجهات المعنية بالثروة الحيوانية بأنواعها، لم يكن موفقاً وكان أقل ما يجب بكثير، فاهتمام الجهات الرسمية باستيراد البقر الأجنبي، تسبب بعزوف المربين عن تربية البقر البلدي المحلي الذي كان ينتج الحليب واللحم، ويعتمَد عليه في حراثة الأرض، وكان أغلب غذائه مؤمناً من أعشاب الأرض الخضراء واليابسة وتبن مادة القمح ومن حبوب العلف التي تتجها أرض المربي، وكان يتم اللقاح بين الإناث والذكور بشكل طبيعي في حقول الرعي، ويندر أن كانت أسرة ريفية لا تملك العديد من أنواع الحيوانات البلدية المحلية/ بقر – غنم – ماعز / التي لم تكن تحتاج للطبابة البيطرية ولا للدواء البيطري ولا للقاح الصناعي ولا للعلف المستورد، ولكن استقدام أنواع البقر المستورد من الخارج الذي يحتاج لكل ذلك، والذبح السنوي لكثير من الحيوانات المحلية وتحديدا الإناث (هذا الذبح الذي لا يخلو من قصد متعمد على الإناث التي تلد) إضافة إلى ما ظهر خلال السنوات الأخيرة من وجود جوالين لشراء الإناث الصغار لا لغاية التربية بل لغاية الذبح أيضاً، والمؤسف عدم انتباه أولي الأمر على هذه الظاهرة الخطيرة، وشبه فقدان اكتراثهم بها، ما أضعف كثيراً نمو الثروة الحيوانية، بل والمؤسف جداً نفوق العديد من إناث الحيوانات الحلوب وخاصة البقر لأسباب محط استفهام، إذ يندر أن تخلو قرية من حدوث نفوق عدة بقرات كل عام، علماً أن نفوقها يرهق المربي نظراً لغلاء قيمتها، والمؤسف تلك المضايقات التي يلقاها المربون من غلاء الأعلاف المتتابع بشكل كبير، ماهو منتج منها عن طريق مؤسسة الأعلاف وموزع عن طريق الروابط الفلاحية والمزيد المتتابع من ذلك لدى معامل أعلاف القطاع الخاص وندرة وجود بعضه حيناً وغلاء الطبابة والأدوية البيطرية ووجود تجار مشبوهين يدفعون أسعاراً عالية لشراء البقرة الأنثى ما يدفع بعض المربين لبيع أبقارهم، وأسفر ذلك عن تناقص متتابع في عدد أبقار الحلوب وارتفاع متتابع في سعر الحليب، وفقدان بعض منتجاته كالسمنة العربية، ولا يخفى الخسارة الكبيرة في الثروة الحيوانية من مواشي البادي / غنم – ماعز – جمال / نتيجة اجتياح الإرهاب لكثير من مناطق البادية، عدا الخسارة التامة التي لحقت بالثروة الحيوانية في المناطق الحضرية التي أصبحت شبه خالية من السكان والحيوان.

ويبقى السؤال: هل من جهات رسمية أو قطاع خاص يعمل للتأسيس مؤسسة لإعادة إكثار الثروة الحيوانية قبل استكمال التدهور المستمر في أعدادها، والحال نفسه بخصوص الدواجن التي يرتفع لحمها وبيضها بشكل متتابع بسبب تناقص المنتجين الوماحد تلو الآخر، والكرة في الملعب وتنتظر من ينزلون للساحة؟
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية