دراساتصحيفة البعث

على الولايات المتحدة أن تتعايش مع عالم متعدد الأقطاب

هناء شروف

من المرجح أن تظهر السياسة العالمية المزيد من عدم اليقين اليوم، وبعيداً عن الأزمة الروسية الأوكرانية فإن الشعور بالحرب الباردة المقبلة الذي يشعر به المجتمع الدولي سوف يستمر كشبح في مختلف أنحاء العالم ما لم تتوقف المساعي التي لا نهاية لها والتي تبذلها الولايات المتحدة لاحتواء الصين في منطقة آسيا والباسيفيكي. لقد تم الكشف عن استراتيجيات الاحتواء التي تتبناها الولايات المتحدة فضلاً عن إغراء الولايات المتحدة المستمر لبعض البلدان، وخاصة جنوب شرق آسيا لاستفزاز الصين بشأن قضية بحر الصين الجنوبي وتايوان.

إن الرغبة في تحقيق التطلعات والمثل العليا لعالم متناغم قد تنتهي سدى، لأن الجهات الفاعلة العالمية وأبرزها الولايات المتحدة غير راغبة في خلق الظروف المواتية، وبدون ذلك يبدو من المستحيل جعل السلام العالمي حقيقة واقعة.

لكي تتمكن الولايات المتحدة من التعايش مع عالم تعددي، يتعين عليها أن تعترف بالاختلافات في النظام السياسي باعتبارها الاتجاه الطبيعي للحياة، كما علمتنا الديمقراطية أن نتسامح مع الاختلاف لتحقيق الانسجام في السياسة العالمية .

في المقام الأول يتعين على الولايات المتحدة أن تحترم سيادة الدول الأخرى وبدون تقدير السيادة تفقد الدولة أهميتها، لكن حتى الآن وعلى مر التاريخ كثيراً ما قامت الولايات المتحدة بإزعاج الدول الأخرى وانتهاكها، وقد تجسدت هذه التصرفات في غزوها للعراق وأفغانستان وليبيا، وإذا لم تحترم الولايات المتحدة سيادة الآخرين فمن الممكن أن تستهدف أي دولة في أي وقت. ومن هنا فإن ضبط النفس الذي تمارسه الولايات المتحدة في عدم التعدي على سيادة الآخرين هو الركيزة التي يمكن أن تتجنب الحروب وإلا فإنه يؤدي إلى عدم الاستقرار وعدم اليقين.

وبالإضافة إلى ذلك يتعين على الولايات المتحدة أن تكون رصينة، وأن تعترف بأن السياسة العالمية الآن أصبحت مشحونة بالقوى الناشئة، حيث بدأت قوة الولايات المتحدة وحدها في الانحدار، ومن هنا يتعين عليها أن تتقبل مصيرها الجديد المتمثل في التراجع، وأن تسمح للاعب آخر بالفرصة للعب الدور والمساهمة في عالم متعدد الأقطاب. وينبغي كذلك أن تتخلى عن المواقف الأنانية والمتغطرسة ويجب الحفاظ على النظام العالمي، والإبحار فيه لأن الرغبة في إنشاء نظام عادل هي رؤية جميع الدول.

تجدر الإشارة إلى أنه بعد الاعتراف بالشكل الجديد للتعددية القطبية، يتعين على الولايات المتحدة أن تتخذ الخطوة التالية والتي تتلخص في التوقف عن استفزازاتها القديمة بما في ذلك تدخلاتها في بلدان أخرى، خاصةً أن التغيير في هذا العالم الديناميكي أمر لا مفر منه، فالمجتمع الدولي ليس دولة راكدة بل إنه يتغير باستمرار، ويتجه ويتقدم ولا يمكن لأي قوة أن تنكر هذه الظاهرة. إن تراجع الولايات المتحدة وصعود الآخرين أمر يجب أن تتفق عليه كل دولة، وعناد الولايات المتحدة في الحفاظ على امتيازها في السيطرة على العالم وحكمه بشكل تعسفي قد يؤدي إلى اهتزاز العالم على نحو متزايد.

لذلك إن فكرة ركيزة السلام مرهونة بقبول الولايات المتحدة تراجعها النسبي، حيث يجب عليها أن تتوقف عن استفزازاتها للدول الأخرى، وأن توقف حربها بالوكالة لمجرد إرضاء طموحاتها، وأن تفتح مساحة أكبر كثيراً للدور الذي تلعبه الاقتصادات الصاعدة، والأهم من ذلك يتعين على الولايات المتحدة أن تنضم إلى عالم متعدد الأقطاب.