شرق العالم.. وقلبه
أحمد حسن
لم يعد الأمر احتمالاً ممكناً بقدر ما أصبح حقيقة ناجزة، فشرق العالم، وفق سردية المركزية الغربية لجغرافيا الكون، أصبح قلبه وفق الواقع وحقائقه التي لا تُدحض، وذلك ما تؤكده مجريات الأمور، ومنها مثلاً ذلك الهوس الأمريكي الحربي الطابع بالصين في محاولة علنية لوأد نهوضها المتسارع، وأكثر من ذلك فإن المراوحة في هذا الهوس بين حدّي التهديد بحرب، عسكرية بالوكالة واقتصادية بالأصالة، وبين نوع ما من “التعاون” ولو وفق الفهم الغربي له، والفشل في الوصول بأي منهما، منفردين أو مجتمعين، حتى خط النهاية نظراً لارتداداتهما المدمّرة التي ستطال الجميع، تبدو، أي هذه المراوحة، إشارة تأكيد واعتراف غربي اضطراري بانزياح موقع الشرق إلى القلب من العالم ما يشي ببدء انتهاء زمن المركزية الغربية مع كل تبعاتها المعروفة التي عانى منها “الجنوب” و”الشرق” لدرجة كبيرة، وفظيعة، جداً.
بهذا الإطار يبدو الحضور السوري الرئاسي في هذا الشرق الذي استحال قلباً، وعياً تاريخياً مطابقاً بهذه اللحظة وهذه الحقيقة، فمشروع “الحزام والطريق” الصيني أصبح طريقاً واضحاً وواعداً نحو المستقبل، ويعرف الجميع أن لا طريق حقيقياً، ومنتجاً، في قلب العالم إلّا عبر الشريان السوري كون سورية، بحكم الجغرافيا والتاريخ والأهمية الاستراتيجية، هي قلب هذا القلب، والاهتمام الصيني بذلك هو حالة وعي حقيقي بهذه اللحظة وإمكاناتها التي تختزنها، وتبرزها، دكتاتورية الجغرافية ودورها الأساس في صناعة التاريخ.
بهذا المعنى، يمكن قراءة الزيارة الرئاسية السورية، منذ لحظة الدعوة الصينية إلى لحظة الحضور السوري هناك، كفهم “قيادي” مشترك لهذه اللحظة، وكخطوةٍ أولى على طريق الاستثمار المتبادل، سواء في دور وحجم الصين الاقتصادي والسياسي، من جهة أولى، أو في المركز السوري، بإمكاناته وفرصه وتطلعاته، من جهة ثانية.
والحال، فإن خطوة التعاون الاستراتيجي هذه ليست نبتة غريبة منبتّة عن واقع الحال لأنها ترتسم، كما يعرف الجميع، على، وفي، طريق معبّد مسبقاً من الجانبين، فدمشق التي كانت، كما قال الرئيس الصيني، “واحدة من الدول التي طرحت مشروع قرار لاستعادة الصين مقعدها في الأمم المتحدة”، هي دمشق ذاتها التي رفعت بكين عدّة “فيتوات” لأجل حمايتها من المشاريع الغربية المدمرة خلال العشرية الأخيرة، وهي ذاتها التي تقدّم اليوم “منفذاً” جغرافياً، وسياسياً، مناسباً لكسر محاولة الأمريكي حصار “طريق الحرير” الصيني عبر “قصة” اختلاق ممر اقتصادي سيربط الهند بأوروبا عبر دول الخليج و”إسرائيل” بكل حمولاته السياسية والاقتصادية الموجّهة ضدّ الصين أولاً وقبل أي أحد آخر، لذلك استحق هذا “الحضور” السوري في بكين وصفه بالحدث “المفصلي في تاريخ العلاقات بين البلدين في مواجهة الأوضاع الدولية المفعمة بعوامل عدم الاستقرار”.
لهذا كلّه، ولغيره أيضاً مما ستحمله قادمات الأيام، تبدو الزيارة الرئاسية، وما نجم عنها من توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الصينية – السورية، أكبر من مجرّد نجاح دبلوماسي جديد لدمشق كما قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، وأكبر من مجرّد فعل “تعاون” اقتصادي عادي بين بلدين، كما قال البعض.. إنها، في جوهرها، لحظة مهمة جداً وخطوة مفصلية في صياغة تاريخ قادم.