أرض سورية الوفية وثقافة الصداقة الوفية
غالية خوجة
الوفاء لا يرتبط بجنسية أو دين أو عرق أو لون أو لغة، لأنه ثقافة قناعة واعتقاد وسلوك إنساني راقٍ ورقراق وصافٍ متفاعل بنقاء روحي وقلبي وعملي، باختصار، الوفاء ثقافة حياة حضارية تنتهج المحبة والطمأنينة والتعاون الإيجابي المضيء على كل ما هو باطل يعترض أي طرف من أطراف الصداقة.
وتنعكس ثقافة الوفاء المتجذرة في سورية قيادة وجيشاً وشعباً وشهداء وجرحى وطن، كما الزيتون والسنديان والأبجدية الأولى والسلام والحضارة وعظام الأجداد والجدات الأُوَل، متجذرة كشجرة لا شرقية ولا غربية، تعكسها الأفعال المشعة الموقنة بأن الحقّ حقٌّ والباطلَ باطلٌ والظلمات زائلة، وهذا ما يدركه التأريخ عبْر العصور، فكم من كيانات احتلالية مختلّة إنسانياً وضميرياً وحضارياً مرت على سوريتنا الحبيبة وغيرها من دول العالم، لكنها زالت، وهذا مصير كل ظالم وظلماته مهما ساد اتساعاً فاسداً مخرّباً في الأرض.
وفي مركز دائرة الوفاء السورية، ومحيطها الضيق والمتسع، تتلألأ دول شقيقة وصديقة، وتلمع بقياداتها وشعوبها المُحبة للمَحبة والسلام ونصرة الحق على الباطل، وتتشبث أكثر بالقيم الأخلاقية في زمن أسود هاجسه تخريب الإنسان وفطرته وعقله وقلبه وحياته وأهله ومجتمعه ووطنه بحجة الحرية الشخصية والديمقراطية المفصّلتين تبعاً لأهواء وغرائز المشتغلين عليها لأهداف تدميرية للإنسان والمجتمع والقيم والأرض والأوطان، ومفعولها أشبهَ بدبلوماسية قطرة الماء الحافرة في الصخر، وطبعاً، الماء براء من ذلك لأنه أصل الحياة، والحياة صافية بمائها المتدفق في أعماق الإنسان وفي الأرض ومن السماء، لأنه الحب الذي يقول عنه مثل روسي “لا تذهب فقط إلى حيث يوجد الحب ولكن خذ معك الحب حيث توجد أنت”.
الوفاء بكل اللغات والمعاجم المعروفة والمجهولة هو أحد أعمدة النور الأساسية للارتقاء الذاتي والمجتمعي والدولي والحضاري، ولا يستطيع النمو إلاّ في أعماق أولئك الذين تمكّنوا من تربية أنفسهم على القيم والأخلاق التي نادى بها جميع الأنبياء الذين نعلم والذين لا نعلم، ومنهم داود وموسى وعيسى وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والذي نحتفل بمولده الكريم.
وبكل تأكيد يقيني، لن تستطيع قوة العالم أن تغيّر إنساناً مقتنعاً بأن “الضوء نصف رفيق” تبعاً لمثل روسي، وأن الوفاء نور وطريق للمحبة والطمأنينة والسلام، وأن الوفاء المتبادل دليل لا ظلّ له سوى الوفاء، وهذا ما تفعله أيضاً الأرض الوفية المُحبّة أيضاً للحق وأصحاب الحق، وتعرفهم من رائحة دمهم الطاهرة، ونبضهم المشع بمحبتها، وقلوبهم المتصلة بدعاء سماوي، وأرواحهم الوفيّة تحت الأرض وفوق الأرض، وتبادلهم هذه الأرض العربية السورية الوفاء بالوفاء، وكذا، حال أبنائها أينما كانوا، وحال أصدقائها من الدول سواء روسيا والصين وإيران وغيرهم.
وبلا أدنى شك، الباطل زائل كما الظلمات وصانعيها وناشريها وعصاباتها ومافياتها، بكافة وسائلهم النفسية والعقلية والخداعية والافتراضية والمتوهِّمة، لأنهم يفعلون كما يقول المثل الشعبي الصيني: “من يضحي بضميره كمن يحرق صورة ليحصل على الرماد”، لذلك، هم، ودون ريب، ليسوا أسوياء على كافة الأصعدة النفسية والعقلية والقلبية والسلوكية.
ولا أحد ينسى أمثال الشعوب الصادقة، ومنها المثل العربي العالمي “الصديق وقت الضيق”، والمثل الصيني: “اختر صديقاً أفضل منك”، والمثل الروسي “صديق وفيّ أفضل من حجر كريم”، والمثل الإيراني “الإكرام بالإتمام”، وهذه الأمثلة الشعبية الوفية لها أبعاد تربوية أخلاقية إنسانية مستدامة لا تعرف الحدود بقدر ما تعرف الالتزام ومثاله الصيني “لا تردد أمام الواجب”، وتبصر ما وراء الضيق، فتقسم بثلاثيتها المقدسة “وطن، شرف، إخلاص”، ويقسم أصدقاؤها”نحن أوفياء حتى تجفّ البحار وتبلى الصخور”.