دراساتصحيفة البعث

خطاب بايدن يتناقض مع تصرفات الولايات المتحدة

هناء شروف

تظهر تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أي مدى تتناقض أفعاله مع أقواله.

قال بايدن إن الولايات المتحدة “تسعى إلى عالم أكثر أمناً وازدهاراً وإنصافاً لجميع الناس”، لكنه لم يذكر الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا وهو الحصار الذي حرم الشعب الكوبي حتى من السلع والخدمات والمنافع العادية، وهو الحصار الذي تدينه الجمعية العامة للأمم المتحدة كل عام منذ أكثر من ثلاثة عقود.

وتحدث بايدن عن هايتي التي تعيش حالة من الفوضى، إذ كثيراً ما تحب الولايات المتحدة التباهي بقدرتها على بناء الدولة، ولكنها لا تستطيع حتى مساعدة هايتي التي لا تبعد سوى 1300 كيلومتراً عن فلوريدا في استعادة الاستقرار ومواصلة التنمية.

وتحدث الرئيس الأمريكي أيضاً عن زيارته الأخيرة لفيتنام، لكنه فشل في ذكر الإرث المأساوي والفظائع التي استخدمها الجيش الأمريكي خلال حرب فيتنام. وزعم بايدن أنه “من خلال القيادة المتضافرة والجهد الدقيق يمكن للخصوم أن يصبحوا شركاء ويمكن حل التحديات الهائلة وشفاء الجروح العميقة”.

يبدو هذا جيداً مثل عنوان كتاب تشارلز كوبشان الصادر عام 2010 بعنوان “كيف يصبح الأعداء أصدقاء”، لكن إدارة بايدن لم تتواصل مع الدول التي تعتبرها خصوماً: جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية أو فنزويلا أو إيران أو سورية أو روسيا. على العكس من ذلك كان بايدن مشغولاً بدق إسفين بين الدول في محاولة يائسة لعزل إيران في الشرق الأوسط، وزرع الفتنة بين الصين ودول أخرى في آسيا.

ولهذا السبب فإن تصريحاته المتعلقة بالصين خاطئة تماماً، حيث قال بايدن إن أياً من الشراكات الأمريكية لا تهدف إلى احتواء أي دولة في إشارة واضحة إلى الصين. وقال إن الولايات المتحدة تسعى إلى إدارة المنافسة مع الصين بشكل مسؤول حتى لا تؤدي إلى صراع، مضيفاً: “نحن نؤيد الحد من المخاطر وليس الانفصال مع الصين”.

مجرد إلقاء نظرة على العناوين الرئيسية اليومية في وسائل الإعلام الأمريكية ومحادثات المشرعين والنقاد الأمريكيين وحتى مسؤولي البيت الأبيض، ستظهر أنهم لا يصدقون كلمات بايدن، لأن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة كانت متهورة في محاولتها لاحتواء الصين اقتصادياً وتكنولوجياً وجيوسياسياً.

إذا كان الأمر التنفيذي الأخير الذي أصدره بايدن بحظر الاستثمار في قطاع التكنولوجيا الفائقة في الصين ليس سياسة احتواء، فما هو إذن؟ وإذا أجبرت الولايات المتحدة حلفائها الأوروبيين على حظر “هاواوي” الجيل الخامس من شبكات الاتصالات الخاصة بهم وضغطها على شركة تصنيع معدات تصنيع الرقائق الهولندية لتقييد الصادرات إلى الصين وحملتها على شركات التكنولوجيا الصينية ومحاولتها استبعاد الصين من التكنولوجيا العالمية، و سلاسل التوريد ليس سياسة احتواء أيضاً، فما هو إذن؟

كذلك تحدث بايدن عن التعاون مع الصين بشأن تغير المناخ، فما معنى الحملة التي تشنها الولايات المتحدة على الألواح الشمسية الصينية، وتمييزها ضد السيارات الكهربائية الصينية التي تقوض المعركة العالمية ضد تغير المناخ؟.

تفاخر بايدن بشراكة مجموعة السبع من أجل البنية التحتية العالمية، والاستثمار لكن مبادرة الحزام والطريق التي تم إطلاقها في عام 2022 كان من المتوقع أن تكون أداة جيوسياسية لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تستثمر بكثافة لبناء البنية التحتية في العالم النامي.

إذا كان بايدن صادقاً في كلماته فعليه أن يوجه إدارته ويقنع أعضاء مجموعة السبع الآخرين بالانضمام إلى الصين، ودول أخرى في بناء البنية التحتية في دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية حتى يتمكنوا من متابعة التنمية بدلاً من محاولة تحويل البلدان النامية إلى ساحات المعارك الجيوسياسية.

علاوة على ذلك دعا بايدن إلى الوحدة العالمية بشأن قضايا مثل الصراع الروسي الأوكراني، لكن الإدارة الأمريكية تشن حرباً باردة جديدة لتقسيم العالم بعد أن دفعت حروبها الساخنة في أفغانستان والعراق وليبيا تلك الدول إلى الفوضى والعوز. .

لقد رفضت معظم دول العالم الانضمام إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على روسيا، وبدلاً من ذلك دعوا إلى وقف إطلاق النار والحوار والدبلوماسية، وهي الأمور التي رفضتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي حتى الآن لإنهاء الصراع.