ضحايا أبو غريب…. لا تعويض ولا مساءلة
سمر سامي السمارة
أشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها الصادر حديثاً، إلى أن العراقيين الذين تعرّضوا للتعذيب على يد القوات الأمريكية قبل عقدين من الزمن- خلال الاحتلال الأمريكي الكارثي لبلادهم- لم يحصلوا بعد على أي نوع من التعويضات أو سبل الإنصاف الأخرى من الإدارات الأمريكية المتعاقبة على الرغم من معاناتهم المستمرة نتيجة الصدمات البدنية والنفسية طويلة الأمد.
وثّقت المنظمة ومنظمات أخرى التعذيب وغيره من أشكال الانتهاكات وسوء المعاملة على أيدي القوات الأمريكية في العراق، حيث قدّم الناجون من الانتهاكات شهاداتهم، لكنهم لم يتلقوا أي تعويض.
وفي مقابلة أجرتها المنظمة مع طالب المجالي الذي كان محتجزاً في سجن أبو غريب، قال المجالي، الذي أطلق سراحه دون تهمة بعد 16 شهراً من احتجازه: إن “القوات الأمريكية اعتقلته أثناء زيارته لأقاربه في محافظة الأنبار عام 2003 أثناء حملة اعتقالات للرجال والصبية في القرية التي كان يقيم فيها”، وبعد احتجازه لعدة أيام في قاعدة الحبانية العسكرية وفي مكان آخر مجهول، نقلته القوات الأمريكية إلى سجن أبو غريب.
وأضاف المجالي: عندها بدأ التعذيب، نزعوا ملابسنا، وكانوا يسخرون منا باستمرار بينما كنا معصوبي الأعين، كنا عاجزين تماماً، تعرّضت للتعذيب بواسطة الكلاب البوليسية والقنابل الصوتية والرصاص الحي وخراطيم المياه”.
وتابع: قامت القوات الأمريكية بتجريد المعتقلين من ملابسهم، وتكديسهم فوق بعضهم البعض لتشكيل هرم بشري. لقد غيرت هذه السنة والأربعة أشهر كياني كاملاً، إلى الأسوأ. دمرتني ودمرت عائلتي. سبّبت مشاكل صحية لابني وأدت إلى ترك بناتي الدراسة، سرقوا منا مستقبلنا”.
وأشارت “هيومن رايتس ووتش” إلى أن المجالي أمضى ما يقرب من العقدين منذ إطلاق سراحه في السعي للحصول على تعويضات عن الانتهاكات التي تعرّض لها على أيدي الجنود الأمريكيين، ولكن دون جدوى، وعندما كتبت المنظمة إلى وزارة الدفاع الأمريكية في وقت سابق من هذا العام تشرح بالتفصيل قضية المجالي وتطلب أي معلومات حول خطط تعويض العراقيين الذين تعرّضوا للتعذيب على يد القوات الأمريكية، لم تحصل على رد.
كذلك بين التقرير أنه على الرغم من انعقاد جلسة استماع في الكونغرس عام 2004، وذلك بعد أيام من كشف الصحفي الاستقصائي سيمور هيرش وآخرين عن حجم التعذيب المروّع الذي كانت القوات الأمريكية ترتكبه في سجن أبو غريب، فإنه وعلى الرغم من اعتذار كبار المسؤولين الأمريكيين آنذاك والوعد الذي أطلقه أحد المهندسين الرئيسيين لغزو العراق وزير الدفاع وقتها دونالد رامسفيلد، بإيجاد وسيلة لتقديم التعويض المناسب لهؤلاء المعتقلين الذين عانوا من مثل هذه الانتهاكات الجسيمة والوحشية والقسوة على أيدي أفراد من الجيش الأمريكي، إلا أن المنظمة لم تجد أي دليل على أن الإدارة الأمريكية قد دفعت أي تعويضات أو غيرها من أشكال الإنصاف لضحايا إساءة معاملة المعتقلين في العراق، كما لم تُصدر الولايات المتحدة أي اعتذارات فردية أو تعديلات أخرى.
لم تجد “هيومن رايتس ووتش” أيّ دليل على أنّ الحكومة الأمريكيّة دفعت تعويضات أو قدمت أي سُبل انصاف أخرى إلى السجناء ضحايا الانتهاكات في العراق، كما لم تقدّم الولايات المتحدة أي اعتذارات أو أشكال تعويض أخرى فرديّة.
حاول بعض الضحايا التقدّم بطلبات تعويض باستخدام “قانون المطالبات الأجنبيّة” الأمريكي، الذي يسمح للمواطنين الأجانب بالحصول على تعويضات على الوفاة أو الإصابة أو الضرر الذي يلحق بالممتلكات نتيجة “أنشطة غير قتاليّة أو إهمال أو أفعال غير مشروعة أو إغفال تسبب فيه العسكريون الأمريكيّون. لكنّ هذا القانون يتضمّن أيضا ما يُسمى بالاستثناء القتالي: أيّ أنّ التعويضات المطالب بها لا تُدفع إذا كان الضرر ناجماً عن أعمال نفذها العدوّ أو قوات أمريكيّة منخرطة في نزاع مسلّح أو في طور الاستعداد لنزاع مسلّح وشيك.
إضافة إلى ذلك، بالنسبة إلى المجالي وغيره من ضحايا الانتهاكات في السجون أثناء غزو العراق واحتلاله، فإنّ تقديم طلب بموجب قانون المطالبات الأجنبيّة ليس خياراً مطروحاً لأنّه يجب تقديم الطلب في غضون عامين من الضرر المطالب به.
في عام 2007، حصل “اتحاد الحريات المدنيّة الأمريكي” على وثائق تتضمّن تفاصيل حول 506 مطالب قُدِّمت بموجب قانون المطالبات الأجنبيّة – 488 منها في العراق و18 في أفغانستان، تتعلق أغلب هذه المطالب بأضرار ووفيات ناتجة عن إطلاق النار وحوادث المواكب والعربات.
الحالة الوحيدة التي حصلت فيها مدفوعات بموجب قانون المطالبات الأجنبيّة وعلى صلة بالاحتجاز كانت لمُدّعِ حصل على مبلغ ألف دولار لأنّه احتُجز بشكل غير قانوني في العراق، دون الإشارة إلى أيّ انتهاكات أخرى. هناك خمس مطالب أخرى تتعلّق بانتهاكات في السجن، لكنها كانت من أصل 11 مطلباً لا تتضمن أي نتيجة، بما في ذلك ما إذا صرفت أي أموال.
في هذا الصدد، قالت سارة ياغر مديرة هيومن رايتس ووتش في واشنطن: إنه “بعد مرور عشرين عاماً، لا يزال العراقيون الذين تعرضوا للتعذيب على يد عناصر حكوميين أمريكيين بدون سبيل واضح لرفع دعوة أو الحصول على أي نوع من التعويض أو الاعتراف أو الإنصاف من الإدارة الأمريكية”، مضيفة: أشار المسؤولون إلى أنهم يفضلون غضّ الطرف عن التعذيب في الماضي، متناسين أن الآثار الطويلة الأمد للتعذيب لا تزال واقعاً يومياً بالنسبة للعديد من العراقيين وعائلاتهم.
وتابعت: على وزير الدفاع والنائب العام الأمريكيين التحقيق في دعاوى التعذيب وغيره من أشكال الانتهاكات بحق الأشخاص الذين اعتقلتهم الولايات المتحدة في الخارج أثناء عمليات مكافحة التمرّد المرتبطة بـ “الحرب التي تشنّها على الإرهاب”.
على الإدارة الأمريكية بدء الملاحقات القضائية المناسبة ضدّ أي شخص متورط، مهما كانت رتبته أو منصبه وتقديم التعويضات والاعتراف والاعتذارات الرسمية إلى الناجين من الانتهاكات وعائلاتهم.