دراساتصحيفة البعث

زيارة الرئيس الأسد الى بكين بعيون بيتر كونيغ

هيفاء علي

أدلى بيتر كونيغ محلل جيوسياسي وكبير اقتصاديي البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية سابقاً، بدلوه حول زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الصين، وذلك في سياق حديث خاص لموقع مجلة إفريقيا-آسيا، مشيراً في البداية إلى أن هذه الزيارة هي الأولى للسيد الرئيس منذ أن اجتاحت الحرب بلاده، وتحريض وتمويل” التمرد” المدعوم من الخارج، وحضر حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية، وإلتقى بعد ذلك مع زعماء أجانب آخرين، كما إلتقى الرئيس الصيني شي جين بينغ وبحثا معاً القضايا الثنائية، ومساعدة الصين في إعادة بناء سورية التي مزقتها الحرب، أما الحدث الكبير فكان إعلان الشراكة الاستراتيجية على كافة الصعد بين البلدين.

ومن وجهة نظر بكين، التي طالما قدمت الدعم الدبلوماسي لسورية في المحافل الدولية، فإن زيارة السيد الأسد سوف تأخذ العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد، وتأتي هذه الزيارة أيضاً في الوقت الذي تعزز فيه الصين مشاركتها في غرب آسيا.

وأضاف كونيغ، أن زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الصين ولقائه بالرئيس شي جين بينغ ستعزز العلاقات الدبلوماسية الجيدة بالفعل، فضلاً عن التعاون بين البلدين، خاصةً وأن الصين تتمتع بسجل حافل في توسيع مبادرات الدبلوماسية والسلام، مذكراً بالدور الكبير الذي لعبته بكين في وقت سابق من هذا العام، في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وسورية، وأعقبت هذه المبادرة مبادرة صينية أخرى تهدف إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية والسلام الفعلي بين إيران والسعوديين، وكذلك في اليمن. والأهم من ذلك، أن زيارة السيد الأسد ستؤدي إلى زيادة الدعم الصيني للدفاع عن سورية، وربما إعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها الحرب التي شنها الغرب على سورية عام 2011.

منذ كانون الثاني 2022، أصبحت سورية أيضاً جزءاً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي حقيقة يمكن أن تزيد من تعزيز التعاون بين الصين وسورية، على سبيل المثال، في مجال استغلال الهيدروكربون والحماية من السرقة الغربية، وخاصة سرقة النفط والقمح السوريين من قبل الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، تأتي زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الصين في وقت حساس وهام، وذلك قبيل انعقاد منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي، المقرر عقده في منتصف تشرين الأول 2023 في بكين. وفيما يتعلق بدول البريكس – على الرغم من أن سورية ليست مرشحة بعد لعضوية البريكس، فإن هذه الزيارة الدبلوماسية يمكن أن تثير اهتماماً مشتركاً بتوسيع البريكس بحضور سورية عندما تعقد قمة البريكس العام المقبل، برعاية روسيا في تشرين الأول 2024.

بشكل عام، مع تعزيز الصين لمشاركتها في غرب آسيا والشرق الأوسط، يتعزز أيضاً القرب الدبلوماسي لسورية من الصين، وذلك بسبب الموقع الجغرافي الاستراتيجي لسورية، وهذا الوضع يجعل من سورية مبعوثاً ممتازاً للصين في المنطقة.

ولفت كونيغ في النهاية إلى أن المبادرات الدبلوماسية الصينية الرامية إلى إعادة فتح السفارات بين طهران والرياض، وبين السعودية وسورية، تعني بشكل أو بآخر أن الشرق الأوسط يتحرر من الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وهذا الأمر واضح على جميع الجبهات. وقد شهدت العلاقات التجارية بين السعودية والصين نمواً سريعاً بالفعل قبل المبادرات الدبلوماسية للرئيس شي في المنطقة بالعملات المحلية.

بعبارة أخرى، يتم إبرام اتفاقيات الهيدروكربون بعملات غير الدولار، على الرغم من أن الولايات المتحدة حددت الدولار الأمريكي في أوائل السبعينيات باعتباره العملة التجارية لمنظمة أوبك. ومع ذلك، فإن الانفصال عن الغرب لا يحدث بين عشية وضحاها، وسوف يكون التغيير تدريجياً مع تلاشي هيمنة الدولار تدريجياً، خاصة وأن المزيد من البلدان تتاجر بالعملات المحلية بدلاً من الدولار الأميركي الذي أصبح بعد الحرب العالمية الثانية العملة الفعلية للتجارة العالمية. مضيفاً أنه في سياق عملية إلغاء الدولرة هذه، ينبغي لمجموعة البريكس أن تلعب دوراً رئيسياً. ولذلك، فمن المهم أيضاً أن تنضم دول مثل سورية وإيران -المهتمة حقاً بالتخلي عن الدولار – إلى مبادرات الصين وروسيا، فضلاً عن الهدف المعلن لمجموعة البريكس. وهكذا، فإن اتجاه فك الارتباط بين الغرب والجنوب بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص لا رجعة فيه، فقد سببت “سياسات العقوبات” الغربية المستندة إلى هيمنة الدولار في إحداث ما يكفي من الضرر للدول ذات السيادة حتى تتمكن من تولي مصيرها بأيديها. لذلك يسعى الشرق، بقيادة الصين وروسيا، إلى تحقيق مستقبل أكثر إشراقا فيما يتعلق بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومستقبل السلام والعدالة.