“الجهات الخبيثة” و”الحرب التي لم تنتهِ”
أحمد حسن
في معرض وصفها لانتفاضة أبناء المنطقة الشرقية ضد تغوّل ذراعها، أو للدقة عميلها المحلّي، (قسد)، لم تجد واشنطن في قاموسها التضليلي من عبارة “مناسبة”، سوى وصم الانتفاضة والقائمين بها بـ “الجهات الخبيثة التي تعبث باستقرار المنطقة”، بينما لم يجد وزير الحرب التركي، يشار غولر، من ردّ على مطلب خروج قواته المحتلّة لجزء من الأراضي السورية سوى إطلاق سؤال استنكاري، وتضليلي أيضاً، من قبيل: “لكن لماذا يجب أن تغادر تركيا؟”، وللمفارقة الدالّة هنا، جاءت العملية “الإرهابية” الأخيرة في أنقرة بتوقيت “ممتاز ومناسب” لتقديم الدعم الميداني لهذا السؤال التضليلي!
والحال أن حقيقة تشارك واشنطن وأنقرة في “الغرف” من القاموس التضليلي ذاته ليست أمراً جديداً، لأنهما، ككل محتلّ، يريدان تعميم صورة “جميلة” لوقائع مخزية وكاذبة أولها وأهمها أن استقرار المنطقة لا يتمّ، بحسبهما، سوى في دوام احتلالهما لها وتحكمهما بقرارها وثرواتها ودعمهما السافر لكل انفصالي وإرهابي فيها، وبالتالي يصبح الاحتلال، بعرفهما، هو الأمر “الطبيعي” بينما مواجهته أمر شاذ وغريب. وهذا المنطق تحديداً، أي منطق التدخل الخارجي الفاجر، هو الذي يجعل الحرب السورية غير منتهية، لذلك “ما زلنا في قلب الحرب حالياً”، كما قال السيد الرئيس بشار الأسد في مقابلته الأخيرة مع التلفزيون الصيني.
والأمر أن هذا “التضليل”، التركي والأمريكي، هو ديدن كل محتلّ، لكن الواقع يقول إنه أصبح مكشوفاً ومفضوحاً، فالجميع في المنطقة وخارجها يعرف أن الجواب على سؤال “غولر” بسيط جداً، فعلى تركيا مغادرة سورية من أجل تركيا ذاتها – تركيا الشعب وليس حكامها وأوهامهم المدمّرة – كما من أجل مستقبل أفضل للمنطقة بأسرها، والجهد الروسي الإيراني المشترك يعبّر عن ذلك. وفي الوقت ذاته فإن الجميع في المنطقة وخارجها أيضاً يعرف أن “الجهات الخبيثة” التي تعبث باستقرار المنطقة هي واشنطن ذاتها، وهذا مثلاً ما يستدعي من الصين، وسواها، إطلاق التحذيرات المتتالية من تبعات سرقة واشنطن لموارد الشعب السوري وثرواته باعتبارها، إضافة إلى صفتها اللصوصية الفاقعة، مساهمة مقصودة في “تجويعه” والدفع به للضياع والتخبّط في خضم اضطرابات معيشية يجري استثمارها لاحقاً في إدامة الاحتلال وترسيخه، ومثله أيضاً، أي الخشية من العبث الخبيث، هو ما يقف خلف ما رشح مؤخراً عن عزم عراقي رسمي للمطالبة بإنهاء مهمّة التحالف المزعوم ضد “داعش”، فهذه المطالبة وإن جاءت كما يقول البعض في سياق قراءة عراقية للمشهد الإقليمي بعد القمّة الصينية السورية، إلا أنها أولاً وأخيراً تبدو كنتاج “وعي” تام ورؤية صحيحة لمخاطر استخدام العراق كقاعدة لعبث أميركي في سورية، لأن “أيّ إرباك أمني في سورية سيطلق وحوش الإرهابيين ويهدّد الأمن في العراق والمنطقة”.
خلاصة القول: “الجهات الخبيثة التي تعبث باستقرار المنطقة” معروفة للجميع، وحلّ المشكلة السورية، وبالتالي مشكلة بعض دول الجوار – التي يحاول بعضها اليوم، وبعد انقطاع التمويل الدولي عن اللاجئين، تنظيف صورته وسجله العدلي من جرائم “الغرف” المعروفة وسواها ورسم صورة جديدة تبرزه كمتضرّر من الحرب – لن يكون إلا بإبعاد مؤثرات التدخل الخارجي وأذرعها الخبيثة، وحينها فإن “المشكلة السورية التي تبدو معقدة وهي ليست كذلك يمكن أن تُحل في أشهر قليلة وليس في سنوات” كما قال الرئيس الأسد.