نجاح سلام مطربة العروبة
“وانتهى المشوار يا عروبة”.. بهذه الكلمات نعت سمر سلمان العطافي والدتها الفنانة نجاح سلام التي لُقبت بأيقونة الأغاني الوطنية وتربّت أجيال سورية على سماع أغنيتها “سورية يا حبيبتي”، وبرحيلها تُطوى صفحة من تاريخ الفن والغناء في الوطن العربي، وهي التي غنّت لعباقرة النغم في العالم العربي مثل رياض السنباطي، محمد عبد الوهاب، بليغ حمدي، محمد الموجي، أحمد صدقي، فيلمون وهبي والرحابنة.
بين لبنان ومصر
لمع اسم نجاح سلام مبكراً من خلال الغناء في الحفلات المدرسية التي كانت تُقام مع نهاية كلّ عام دراسي في لبنان، وهي التي تعلّمت أصول الغناء على يد والدها محي الدين سلام الذي كان واحداً من أبرز الملحنين وعازفي العود في لبنان والوطن العربي، والذي اصطحبها إلى القاهرة في العام 1948 حيث عرّفها على كبار الفنانين مثل أم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان والشيخ زكريا أحمد وغيرهم، وفي العام 1949 احترفت نجاح سلام الغناء حين سجلت أولى أغانيها وهي “حوّل يا غنام” وأغنية “يا جارحة قلبي” فحققت أغانيها الانتشار في جميع أنحاء الوطن العربي، وفي العام 1950 سجّلت للإذاعة اللبنانية مجموعة من الأغنيات، كان أولها “على مسرحك يا دنيا”.
الأغاني الوطنية
قال الإرهابي موشي دايان عنها: “هذا الصوت يهدّد أمن إسرائيل”، حيث جنّدت نجاح سلام صوتها لخدمة القضية العربية التي آمنت بها مع زوجها الفنان الراحل محمد سلمان، فغنّت للبنان وجنوبه الصامد ولسورية ومصر والكويت والأردن والجزائر والسعودية، ففي العام 1956 أشعلت الحناجر في مصر بصوتها الهادر بأغنيتها “يا أغلى اسم في الوجود يا مصر” وقصيدة “أنا النيل مقبرة للغزاة” التي سجلتها تحت نيران القصف في فترة العدوان الثلاثي، وأغنية “يوم النصر نصرنا” التي غنّتها إثر تأميم قناة السويس، فلقّبت هناك بـ”عاشقة مصر” كما ردّد أغانيها الشعب الجزائري في مواجهة الاحتلال الفرنسي، وكان من أبرزها أغنية “محلا الغنا بعد الرصاص ما اتكلم” للشاعر صلاح جاهين والملحن محمد الموجي، وعلى إثر ذلك تلقت دعوة من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لإقامة الحفلات في تونس، وفي العام 1973 وبعد الانتصار على (إسرائيل) إبان حرب تشرين التحريرية غنّت “سورية يا حبيبتي” بالمشاركة مع المطرب محمد جمال والفنان محمد سلمان الذي تحدّث في لقاء تلفزيوني عن هذه الأغنية التي أنجزها في زمن قياسي أثناء حرب تشرين حين قرّر السفر من بيروت إلى دمشق ليكون قريباً من الحدث حاملاً بيده قلماً وأوراقاً لتدوين أية فكرة، وحين لاحت له فكرة الأغنية وجد نفسه يكتب: “سورية يا حبيبتي.. أعدتِ لي كرامتي.. أعدتِ لي حريتي.. أعدتِ لي هويتي” ثم اسلتهم مقطعاً ثانياً من حديث الناس في المقاهي عن الجبهتين السورية والمصرية وتوحيد الجهود العربية فكتب: “الآن إني عربي.. يحق لي اسم أبي ومن أبي! رصاص بندقية يصنع الحرية للأمة الأبية”، وحين سألته ابنته سمر عن الحرب وعن فلسطين كتب المقطع الأخير من الأغنية: “لم ينتهِ المشوار يا عروبة.. حتى تعود أرضنا السليبة.. ففي الخيام طفلة المصيبة.. تنادي يا سوريّتي الحبيبة.. أعيدي لي كرامتي.. أعيدي لي حريتي.. أعيدي لي هويتي”.
قدّمت نجاح سلام أعمالاً وطنية كبيرة لبلدها لبنان مثل “لبنان درة الشرق” كلمات الشاعر صالح الدسوقي وألحان أمجد العطافي، ولم تتوانَ عن المشاركة في أي حدث وطني، وقد أحيت في حرب تموز 2006 العديد من الحفلات في مصر التي ذهب ريعها لمصلحة ضحايا الحرب.
رقّة حسنك وسمارك
جاء في دفاتر فارس واكيم الذي قضى عقوداً من حياته بين المسرح والإذاعة والموسيقا مؤرّخاً ومشاركاً في أبرز محطات المشهد الفني العربي في القرن الماضي أن شهرة نجاح سلام في بيروت بدأت بأغنية “حوّل يا غنّام” كلمات وألحان إيليا المتني، وأن صوتها انسجم بصفة خاصة مع ألحان فيلمون وهبي وعفيف رضوان وسامي الصيداوي الذي لحّن لها “يا غزيّل ميّل” و”يا جارحة قلبي”، في حين خصّها عفيف رضوان فضلاً عن الألحان الوطنية بأغنيات اشتهرت منها “غزالي” و”يا ظريف الطول” و”انقر يا دف” التي اشترك ثلاثة في أدائها وهم نجاح سلام مع نصري شمس الدين ومحمد سلمان، وبيّن واكيم أن فيلمون وهبي لحن الكثير من أغاني نجاح سلام، ومنها “برهوم حاكينا” و”الشاب الأسمر جنّني” و”ودّيله سلامي يا طير الحمام” و”دخل عيونك حاكينا” دويتو مع محمد سلمان، وأشار في دفاتره أيضاً إلى أن التعاون بين نجاح سلام والأخوين الرحباني كان في أول مشوارهما سنة 1950 فغنّت من ألحانهما “وقّف خُدني بأوتومبيلك” و”شباك الهوى” وهذا الدويتو قدّمته مع نصري شمس الدين، أما وديع الصافي فقد كان من أبرز أصدقائها على الصعيدين الفني والإنساني، وفي سنة 1965 أنتج وديع الصافي أوبريت “نهر الوفا” وقام بدور البطولة أمام نجاح سلام، حيث غنّت من ألحانه “بعلمي كنتو تحبّونا” و”حلوة وغندورة” في حين شاركها الغناء بأغنية “يا نهر الوفا رجعنا” ألحان وليد غلمية، مشيراً كذلك إلى أن نجاح سلام غنّت من ألحان ملحنين سوريين، حيث غنّت في بداياتها “رقّة حسنك وسمارك” لحن أمير البزق محمد عبد الكريم و”دنانير” ألحان محمد محسن، كما أنشدت 26 بيتاً من قصيدة “فلسطين” لبولس سلامة ألحان نجيب السراج، ونوه واكيم أيضاً بأنه وعلى الرغم من إعجاب الموسيقار محمد عبد الوهاب بصوتها وقدرتها على أداء مختلف المقامات والتنقل بينها في سهولة تامة وتأكيده على أن “صوتها يتحدّى الزمن.. إنه الصوت الذي لا يشيخ أبداً” لم يعثر إلا على أغنية وحيدة لنجاح سلام من ألحانه وهي “سكّة السعادة”.
تلميذة السنباطي
كانت نجاح سلام تعتبر نفسها من تلامذة السنباطي الذي سمعها للمرة الأولى في القاهرة عام 1949 ولفته صوتها وغناؤها الصحيح، فقدم لها ألحاناً خالدة مثل قصيدة “أنا النيل مقبرة للغزاة” و”الله يسامحه” و”ياماشالله” و”يا ظالمي” و”أمة الحق” وأغنيات وطنية كثيرة غيرها، ويجمع النقاد على أن نجاح سلام أتقنت الغناء الشعبي والطربي والتواشيح والبدوي والعتابا والفرانكوأراب، كما غنّت الطقطوقة مثل “برهوم حاكينا” التي ردّدتها الجماهير من المحيط إلى الخليج، وغنّت كذلك القصائد الطويلة مثل “لبنان ما أجملك” والابتهالات الدينية، ليكون في رصيدها نحو 3700 أغنية وكانت تفتخر بأنها لم تقدّم الأغنيات الهابطة.
النجاح والشهرة
لم تكن نجاح سلام مولعة بالسينما، لكنها كانت الوسيلة الأجدى لإيصال أغنياتها، وقد فتحت أمامها أبواب النجاح والشهرة، فمثّلت في ثمانية أفلام في مصر وسبعة أفلام في لبنان، وكان معظم أعمالها السينمائية مع إسماعيل ياسين الذي كانت تربطه بها صداقة متينة، كما مثّلت مع سعاد حسني وفريد شوقي وعبد السلام النابلسي وشمس البارودي وفهد بلان وناظم الغزالي وكارم محمود وشكري سرحان وتحية كاريوكا، وغيرهم، وكانت نجاح سلام تعتبر أن أقرب أفلامها إلى قلبها هو “مرحباً أيها الحب” مع سامية جمال والمخرج محمد سلمان و”عنتر يغزو الصحراء” إخراج نيازي مصطفى، بطولة فريد شوقي، كما كانت تعتز بأغنيتها “شيء من الغضب” كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان محمد الموجي التي غنّتها في فيلم “عمر المختار” وتتكلم عن الأمة العربية الممزّقة، ويذكر أن انطلاقتها السينمائية بدأت مطالع الخمسينيات من خلال فيلم “على كيفك” مع ليلى فوزي، ثم فيلم “ابن ذوات”، وفي هذا الفيلم غنّت أغنيات عدة مثل: “برهوم حاكيني” و”الشب الأسمر” وقدمت فيلم “الدنيا لما تضحك” مع شكري سرحان وإسماعيل ياسين، ثم “الكمساريات الفاتنات” مع كارم محمود، وفي فيلم “السعد وعد” التقت بزوجها الملحن والمطرب محمد سلمان الذي تزوجها فيما بعد، وتنقلت نجاح سلام بين لبنان ومصر وعادت إلى بيروت في العام 1991.
تكريمات
يُذكر أن الفنانة نجاح سلام من مواليد 1931 ومُنحت وسام المليون شهيد من قبل الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة ووسام الاستحقاق برتبة فارس تكريماً لها على أعمالها الوطنية من قبل الرئيس اللبناني الياس الهراوي عام 1995 كما حصلت على الجنسية المصرية في العام 1974 بعد استقرارها في القاهرة وتقديمها لعدد كبير من الأغاني الوطنية، وكرّمها الرئيس اللبناني السابق ميشال عون في العام 2018 مع غيرها من الفنانين البارزين في احتفال بمناسبة الذكرى الثمانين لتأسيس إذاعة لبنان، وجائزة الأوسكار من جمعية تكريم عمالقة الفن العربي في الولايات المتحدة، وكرّمتها وزارة الثقافة في سورية عام 2016 في دار الأوبرا، حيث تمّ إحياء حفل تكريمي لها أحيته المغنية السورية همسة منيف بمرافقة فرقة المايسترو نظير مواس الموسيقية، وفي العام 2000 ابتعدت عن الأضواء وقالت في حديث صحفي لها: “لم أعتزل الفن بل اتجهت نحو الغناء الوطني والديني”.
أمينة عباس