الاحتفاء بمئوية نزار قباني بفعالية “أنا وردتكم الدمشقية” بمعرض وشعر
ملده شويكاني
“أنا وردتكم الدمشقية… يا أهل الشام
فمن وجدني منكم فليضعني في أول مزهرية
أنا شاعركم المجنون… يا أهل الشام
فمن رآني منكم… فليلتقط لي صورة تذكارية
قبل أن أشفى من جنوني الجميل”
نزار قباني كان حاضراً في فعالية “أنا وردتكم الدمشقية” التي أقامتها مديرية ثقافة دمشق في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة احتفاءً بمئوية ولادته التي انطلقت من دار الأوبرا، وتتوالى في المراكز الثقافية شغفاً وتقديراً بالشاعر الكبير، الذي انتشر شعره في أرجاء الوطن العربي وبلاد الاغتراب، وغيّر في بناء شكل القصيدة العربية وأثرى التراث الغنائي العربي، وتجاوز حدود الزمان والمكان مدافعاً عن القضايا العروبية وأهمها فلسطين.
من البيت الدمشقي
جمعت الفعالية بين أمسية شعرية ومعرض وثائقي اختزل مسيرة حياته العائلية الدمشقية والدبلوماسية والأدبية والعاطفية من خلال صور فوتغرافية، بدأت من فناء البيت الدمشقي الذي وصفه بقوله “هل تعرفون ما معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة” إلى صور أفراد عائلته جده (أبو خليل القباني) ووالده ووالدته وصوره مع إخوته، إلى شبابه وانطلاقه بالعمل الدبلوماسي.
فأُفرد قسم لصوره في دول عدة منها إسبانيا، إلى الجناح الثالث وحياته الأدبية ولقاءاته مع أدونيس وسميح القاسم ود. سعاد الصباح وتكريمه من الشخصيات الرسمية مثل سلطان العويس.
كما وثّق المعرض دوره في نشر الشعر المغنى بغناء قصائده، فشغلت صوره مع محمد عبد الوهاب وكاظم الساهر ركناً من المعرض.
نزار والسفرطاس
إضافة إلى كثير من الصور التي توثق حياته الخاصة في منزله في لندن، فكانت منمنمات التراث الدمشقي ترافقه، لتبقى الصورة المحمّلة بذكريات الطفولة هي الأجمل وهو يحمل السفرطاس الذي كان يرافقه إلى المدرسة حينما كان في السابعة من عمره.
بلقيس
وأضفت صور بلقيس وهي ترافقه سحراً على المكان استحضر أجمل ما كتبه لها، ولاسيما صورتها بشعرها المرسل الطويل التي اعتلت الجدار مثل القنديل “هل ترى… من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل”.
دعوة إلى السلام
وشارك بالأمسية الشعرية كلّ من جمال المصري وصقر عليشي وجمال الجيش، فاستهلت بالحديث عن الشاعر العربي السوري نزار قباني، ثم قرأ كل شاعر قصائد من شعره تراوحت بين الحب والوطن. ففي قصيدة جمال الجيش “الذاهبون إلى الحلم” دعوة إلى السلام والانتماء والتشبث بالجذور:
“الذاهبون إلى الحلم
للصفاء الحضور المزيّن
وجه الصباح والمساء
لآلئ من عسجد وحبور
له ماله من نقاء فريد
يضوع ضياء ومسكاً”
موسيقا الوجد
ومما قرأه الشاعر جمال المصري قصيدة عاطفية رقيقة المفردات فيها السحر والوجد، مخاطباً الإنسان بـ”يابن أنثى” في تصوير المشهد العاطفي ليصل بالقفلة الشعرية إلى فلسفة الحياة والوجود “أول الدنيا بكاء، آخر الدنيا حجر”:
“فاشتعلنا دون نار
واغتسلنا دون ماء
فجأة نحن التقينا
فانحنيا لهوى هبّ علينا
كالهوى هبّ علينا
ورقصنا دون رقص وانتشينا”.
الهمّ الإنساني
أما الشاعر صقر عليشي المتميّز بإيقاع السخرية داخل بناء القصيدة الزاخرة بالمفارقات والأضداد ضمن الهمّ الإنساني، فاختار قصيدة من مجموعته الجديدة “كتاب اللمحات” بعنوان “لمحة عن الإنسان” على شكل خطاب مباشر، يسخر فيها من ظلم الإنسان للإنسان ويؤكد بصورة غير مباشرة على العودة إلى إنسانية الإنسان:
“لا أؤمن بالإنسان
هذا آخر تصريح أعطيه لكم
لا حاجة للفّ ولا الدوران
كان صديقاً
لم يصدق
كان أخاً
خان”
وتابع تصريحاته عن الإنسان الذي قتل أخاه وغشّ بالميزان وبغى في الأرض:
“قابيل هو الأصل
وهابيل استثناء”
ويبقى الحنين الذي نستشفّه من كل حرف في شعر نزار قباني وكتاباته النثرية باقياً بالأذهان رغم مرور ربع قرن على وفاته، كما قال:
“عائد إليكم
وأنا مضرج بأمطار حنيني”
مقومات الخلود الشعري
وعلى هامش الفعالية أوضح الإعلامي والشاعر جمال الجيش الذي أدار الندوة في حديثه مع “البعث” أن نزار قباني قامة من قامات الشعر العربي والعالمي الإنساني، متابعاً: برأيي أنه امتلك كل مقومات الخلود الشعري، وما يدلّ على ذلك أنه منذ رحيله حتى هذه اللحظة لا نشعر بأن نصوصه يصيبها أي نوع من الخفوت، بل تزداد ألقاً وإشراقاً، وهذا دليل على أنها نصوص تنتمي إلى الشعر الخالد الذي يمثل الحالة الإنسانية بعمقها وبكل تلوناتها وتشكلاتها، ولا شكّ بأن نزار قباني يستحق الاحتفاء به، لكن الاحتفاء به في بلده سورية وفي هذا العام تحديداً، هو ليس للذكرى المئوية فقط وإنما محاولة تأكيد على أن الشعب منتصر للحياة والحب والحقائق والأوطان الجميلة التي ستبزغ شمسها من جديد، وفي الوقت ذاته نؤكد أن الشعر مازال حاضراً وسينتصر للحياة.
تحديات وجود
وعن دور الإعلام بمتابعة مناسبات ذات خصوصية أضاف: يمكن أن يشتغل على استثمار هذه المناسبة وإحيائها بطريقة نبيلة إعلامياً يكون لها آثارها الوطنية التي نحتاجها في هذه المرحلة الصعبة التي نواجه فيها تحديات وجود.
كما بيّن مدير المركز عمار بقلة أن الصور من مقتنيات مديرية ثقافة دمشق وتمّ اختيار أسماء لامعة بالوسط الأدبي للاحتفاء بهذه المناسبة.