لن تنافس عبقرية الفنان.. الفنون الجميلة في حضرة الذكاء الاصطناعي
البعث الأسبوعية- آثار الجوابرة
مع بداية الألفية الثانية ظهرت علامات تصميم الصور والنصوص المحررة التي تنجز بفعل الذكاء الاصطناعي بناءً على المعطيات والمعلومات المدخلة إليه. ويعد خادم الذكاء الاصطناعي واحداً من أحدث نماذج الذكاء التي أحدثت الدهشة بين الفنانين والمبرمجين ويمكن لهذا رسم وجوه أشخاص ليس لهم وجود في الحياة.
في العام 2022 شهد الفن تطوراً تكنولوجياً في هذا المجال يفوق التوقعات وبذلك تصبح المخاوف والتساؤلات مشروعة عن مستقبل الفنون الجميلة التي بقيت على مدة عشرات آلاف السنين حصناً لإبداعات عقل الإنسان الذي كانت محور اهتماماته منذ بدء تكون البشرية.
وللإلمام بجوانب التطورات التي شهدتها الفنون الجميلة في ظل الذكاء الاصطناعي فلابد من طرح تساؤلات عدة على أهل الاختصاص، فكان لنا الحوار التالي مع الفنانة التشكيلية لينا ديب، نائب رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية.
- في ظل تزايد المخاوف من دخول الذكاء الاصطناعي إلى عالم التشكيل تصبح التساؤلات مشروعة عن مستقبل الفن؟
إن الفنون المعاصرة، طرحت متغيرات تقنية متلاحقة أنتجت أعمالاً فنية تعبيرية تؤكد على ملامح المجتمع المعاصر، من خلال التحولات التي طرأت على مفهوم الإبداع في التصوير واكتساب القدرة الإبداعية في التعامل تقنياً، فنياً وتعبيرياً مع التشكيل الرقمي بالذكاء الاصطناعي في العصر الراهن .
- هل منجزات الذكاء الاصطناعي الفني أحد أنواع الفنون الإبداعية؟
أجابت ديب: إن هذا النوع من الفن لا يحتاج إلى فنان وحسب وإنما فنان ومبرمج في آن واحد يبتكر بنظرته الفنية ويتقن التعامل مع الآلة وفي هذا المجال كتب هوكني كتاباً وضع فيه نظريته على أن رامبرانت وجوهانسفيرمير وغيرهممن أساتذة عصر النهضة استخدموا المعدات البصرية كالكاميرا الغامضة والمرايا لتحقيق رؤية واقعية في لوحاتهم وليظهروا تأثيرات الإضاءة التي تُحدثها الحجرة المظلمة حينما شكلت هذه الأدوات أداة تقنية بصرية في ذلك العصر.
- هل زحف الذكاء الاصطناعي سيفتح آفاقاً جديدة أمام الفن والفنان معاً؟
عند ظهور التصوير الرقمي، ساهم في التجديد والتطوير للانفتاح على “فن حديث” وتدخلت فيه الآلة لتبدأ مرحلة التعبير بالصوت، واستخدام أساليب حديثة قادرة على تفكيك الصور كما ظهرت تجارب أخرى تصبو لإصلاح بعض اللوحات الفنية عن طريق جمع البيانات على جهاز الكمبيوتر بعد دراسة أسلوب الفنان واكتشاف النمط الفني الذي يرسم به والمدرسة التي ينتمي إليها، كملامح الوجه والعينين وطريقته في رسم مناطق الظل والنور وغيرها من التفاصيل التي تحتاجها البرامج لإنتاج صورة جديدة بذات الأسلوب مبدأها تحليل الخوارزميات واعتمدت وسيلة تقنية فنية لاسيما بعد أن عرض متحف “الأرميتاج” الكلاسيكي أعمال تشكيلية أنتجها الذكاء الاصطناعي، ومما سبق نستخلص أنه علينا تغيير رؤيتنا للفن كلياً أو جزئياً بل ويدعونا إلى توسيع آفاقنا في هذا الإطار.
- هل هناك إمكانية أن تحل أنظمة الذكاء الاصطناعي الفني محل عبقرية الفنان ووجدانه؟
إن استخدام الذكاء الاصطناعي في الفن يُلغي الفنان ويُقلل من مكانته، حيث أصبح بالإمكان إضافة المعاني الإنسانية للعمل الفني، وكانت أول محاولة لإنتاج عمل فني بواسطة الذكاء الاصطناعي هو إنجاز لوحة الفنان “إدموند دي بيالمي” التي بيعت في دار المزاد العلني “كريستيز” في نيويورك، في تشرين الأول 2018 بمبلغ 432 ألف دولار.
رأي الفنان محمود الجوابرة
وحول نظم الذكاء الاصطناعي ومنجز الفنان من أعمال فنية وابداعية في مجال الفنون التشكيلية من رسم، تصوير ونحت وحفر رأى التشكيلي السوري محمود الجوابرة أن ما يسمى “بالحلم العميق” كان مشروع شركة “غوغل” منذ ما يقارب الخمسة عشر عاماً، حيث يمكن رسم وجوه لأشخاص ليس لهم وجود في الحياة، وأن منظومة العمل للذكاء الاصطناعي قادرة على إلغاء دور الفنان، ولكن من الصعب على الآلة الالكترونية والبرمجيات أن تحل محل وجدان وعبقرية الرسام ذو المشاعر والأحاسيس المرهفة التي يسخّرها في خدمة الفكرة التشكيلية التي يعمل عليها ويصبها بالألوان على مساحات بيضاء، وغيابها في الآلات التي تعد واحدة من الابتكارات التي وصل إليها الإنسان في ضوء التطور التكنولوجي وقدرته على توجيه هذا التطور عبارة عن عمل فني من إبداع الفنان .
واعتبر الجوابرة أن المنجز التشكيلي للفنان يضج بالأشكال والألغاز فهو بحث فلسفي بالجوهر، وفعل عاطفي ووجداني بالمضمون نتيجة الصدام بين العاطفة والانفعال الجمالي والصراع العبثي بين الأدوات والذي ينتج عن دفقات الشعور واللاشعور التي تفلت من سلطة العقل وسيطرته وهذا ما لايمكن لكل منظومة الذكاء الاصطناعي تحقيقه بالرغم من دقة تصورها بناء على المعطيات الموكلة إليها.
“العمل الفني هو فعل فردي للفنان خلافاً لما تنتجه نظم الذكاء الاصطناعي التي تعود لعدد ليس بالقليل من المبرمجين وواضعي البيانات والخوارزميات وهذه في النتيجة محسوبة ومحددة في الوقت الذي يكون به الفن لامحدود” .. هذا ما قاله الجوابرة الذي أمضى ما يزيد عن خمسة عقود مضت في العمل الفني والتشكيلي، ليؤكد في ختام حديثه “للبعث” أن استخدام نظم الذكاء الاصطناعي لا يمكن لها أن تلغي الفنان ودوره الإبداعي بما ينتجه ولا تقلل من مكانته بل تزيد ثقافته وتجربته ووعيه، فالفن لعب وتأليف وصراع مع المجهول، على حد تعبيره الذي هو جوهر الفن الحقيقي، وأن زحف نظام الذكاء الاصطناعي بالرغم من تعاظم شأنه مع مرور الزمن لن يستطيع أن ينافس عبقرية الفنان وبحثه الدائم عن لغز الحياة ومجاهيلها.
مستذكراً فناني القرن الثامن عشر والتاسع عشر الذين واجهوا الأمر عينه عند اختراع الكاميرا والتصوير الفوتوغرافي، ووجد أنه من جهة أخرى يمكن للفنان أن يوظف هذه التكنولوجيا في خدمة مشروعه، ويكون محورها والمحرك الأساسي لها، ويعتقد أن بوابات عوالم الفن ستكثر وتتألق وتصبح أكثر إبهاراً لأن الذكاء الاصطناعي سيجعل جميع الأبواب مشرعة أمام الفنان.
ومن الجدير ذكره أن الذكاء الاصطناعي المؤلف للصور والنصوص ظهر بعد عام 2000 إلا أن التحديث الأكثر تطوراً ظهر في العام 2015.