هوية الاقتصاد الوطني تزيد من فرص التشابك مع الاقتصاد الصيني
دمشق – ميادة حسن
ارتبطت التغيّرات في النظام الدولي بتزايد أهمية العامل الاقتصادي، وتراجع أهمية القوة العسكرية كأداة للسياسة الخارجية في مجال التفاعلات السياسية الدولية، بحسب الخبيرة الاقتصادية نور لبابيدي، التي أكدت أنه أصبح من الواضح أن القوة الاقتصادية باتت الدعامة الحقيقية للقدرة القومية في عالم ما بعد الحرب الباردة، الأمر الذي استلزم من الدول ضرورة التخفيف من حدّة الاندفاع في مجال سباق التسلح وتوجيه المزيد من الاهتمام إلى جهود التنمية الاقتصادية، فأدركت غالبية الدول أن الأداة الاقتصادية سوف تكون الأداة الرئيسية الفاعلة والأكثر تأثيراً في العلاقات الدولية.
ظرف استثنائي
وبيّنت لبابيدي أن الاقتصاد السوري اقتصاد اشتراكي نابع من عقيدة تتلاءم مع الخصوصية السورية كقطاع عام إلى جانب القطاع المشترك والخاص، بهدف حشد كل طاقات المجتمع للمساهمة بالإنتاج، مع الالتزام بحماية أوسع للشرائح الاجتماعية والحاجة إلى النمو والاكتفاء الذاتي، وتضيف لبابيدي: كان لابدّ من التركيز على دعم القطاعات الزراعية والصناعية انطلاقاً من الواقع، فالحرب على سورية استهدفت بنية الدولة والقاعدة الأساسية لصمودها من خلال ضرب بنية الاقتصاد المتمثل بالتنوع الاقتصادي، والاحتياطيات الإستراتيجية للمحاصيل الأساسية، ومن خلال ضرب وسائل الإنتاج وفرض العقوبات والحصار عليها، وبالتالي ضرب القاعدة الزراعية والصناعية والشرائح الأساسية المتمثلة بالعمال والفلاحين وذلك لاستهداف الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، هذا ما دفع الحكومة للبحث عن منافذ أخرى والتعامل الخارجي مع الأصدقاء من خلال القطاع الخاص للقدرة على الالتفاف على العقوبات، وهذا التحول مضطرة إليه للحصول على المتطلبات الأساسية من أسواق التجارة الدولية، من دون التخلي عن عقيدة الاقتصاد الاشتراكي بخصائص سورية مرنة ومتنوعة ذات طابع اجتماعي، بما يخدم مصلحة الخزينة العامة، فلولا القطاع العام لما صمدت سورية في الثمانينيات وحتى الآن، أما أصحاب رؤوس الأموال فسيهربون عند أي تحدٍ، فسورية مستهدفة دوماً ومن دون قطاعها العام ستكون لقمة سائغة بيد أعدائها، لذلك يكون القطاع العام هو الضامن الوحيد للفقراء وأصحاب الدخل المحدود وهذا ما كتبه التاريخ.
هوية اقتصادية
لابد إذاً من محاولة الحفاظ على اقتصاد مقاوم يجمع بين الهوية الاقتصادية وبعض مزايا اقتصاد السوق الذي يضمن إعادة الإعمار ودعم النمو والاستثمار والتكيف مع كل مرحلة لحماية القوى الاجتماعية، وبما يحقق الرفاهية والعدالة الاجتماعية، وأن تبقى الدولة تدير الاقتصاد الوطني من أجل الوطنية العليا، وتتابع لبابيدي: من هنا نجد أن التشابك الاقتصادي مع الصين ينسجم مع العقيدة السورية بالهوية الاقتصادية، فالصين يقودها الحزب الشيوعي ذو البنية الاشتراكية، والتطور الذي يجمع خصائص مزايا الاقتصاد ذي الطبيعة الاشتراكية ومزايا اقتصاد السوق بما يضمن لها النجاح وتطوير الاستثمار وتحريرها من الجمود، مكّن الصين من الانتقال إلى اقتصاد قوي مرن ومتطور، وهذا متقارب مع نظام الاقتصاد السوري الذي ينسجم مع العقيدة، فتجربة الصين تعتبر كنموذج يمكن الاستفادة منه وخاصة للدول النامية، حيث تنبّأ مهندس سياسة الإصلاح، دنغ شياو بينغ، بنجاح النظام الاقتصادي للصين عندما قال “الإصلاح الذي يجري في الصين ليس للصين وحدها، وإنما هو تجربة للعالم بأسره، إذا نجح هذا الإصلاح فمن الممكن تقديم بعض الخبرات للقضايا الاشتراكية العالمية وتنمية الدول الأقل نمواً”.
شروط النجاح
وأشارت لبابيدي إلى أن شروط نجاح أي نظام اقتصادي تختلف باختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية، وبغضّ النظر عن نوع النظام الاقتصادي، خاصة وأن وظيفته حلّ المشكلة الاقتصادية المتمثلة بندرة الموارد الاقتصادية وتعدّد حاجات الأفراد، فالنظام الاقتصادي هو مجموعة من العلاقات التي يتمّ بموجبها استخدام الموارد الاقتصادية النادرة والمحدودة بكفاءة وعقلانية لإشباع حاجة الأفراد.