في ذكرى تشرين التحرير
طلال ياسر الزعبي
الانتصار الذي تجسّد في حرب تشرين التحريرية على الكيان الصهيوني الغاصب من خلال تضحيات الجيشين السوري والمصري، رسّخ في ضمير الشعب العربي ووجدانه معنى التضامن الذي كان سبباً رئيساً في الانتصار، حيث كان التماسك العربي سبباً في لم الشمل العربي على فكرة المقاومة، ما جعل حرب تشرين مصددر فخر واعتزاز للوطن العربي من شرقه إلى غربه، بعد أن حطّم هذا الانتصار أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
وكان الدرس الأهم الذي ينبغي التعلّم منه من هذه الحرب، هو أن الأمة العربية قادرة على تحقيق الانتصار تحت جميع الظروف إذا توفّر لها أدنى حدّ من التضامن الذي كان موجوداً قبل الحرب وأثناءها. ومن هنا كان تصميم الكيان الصهيوني بعد أن ذاق الهزيمة في هذه الحرب، على أن يعمل على إحداث شرخ في العلاقات العربية العربية بأيّ شكل كان، والاستفراد بسورية والعمل على إضعافها بأيّ شكل من الأشكال.
ومن هنا، وجدت سورية نفسها أمام مهمة العمل على بناء جبهة مقاومة للمشاريع الأمريكية والصهيونية الرامية إلى تكريس الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية في فلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا في لبنان، وشرذمة الدول العربية لمنعها من تحقيق الشراكة والتضامن فيما بينها، فدعمت سورية حركات المقاومة في المنطقة، وبما يوفر القدرة على لجم التوسعية الصهيونية ومنع الكيان الصهيوني من التمادي في احتلاله للأراضي العربية، الأمر الذي جعل سورية هدفاً للمؤامرات الغربية التي اتخذت منحى تصاعدياً، فكان احتلال العراق في عام 2003 في الطريق إلى إخضاع سورية، ومنطلقاً لاستهدافها بشكل غير مسبوق.
ضمن هذا الواقع الجديد الذي منع الكيان الصهيوني من تكريس وجود طبيعي له في المنطقة عبر محاولات دمجه فيها، كان على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أن يعملا على تحييد سورية بوسائل أخرى، فكان مشروع “الربيع العربي”، الوجه الأمريكي الآخر لـ “الفوضى الخلاقة” منطلقاً للوصول إلى سورية لمحاولة تمزيقها وتفتيتها باستخدام جماعات إرهابية جيء بها من شتى بقاع الأرض، وذلك للوصول إلى تفتيت المنطقة بالكامل وتقسيمها.
وفي ذكرى حرب تشرين العظيمة، يجب على الأمة العربية أن تقرأ الواقع جيّداً، وأن تعلم أن العدو الذي اغتصب الأرض وقتل الملايين وشرّدهم، لا يمكن أن يتحوّل إلى حمل وديع، فلا بدّ من التبصّر والمراجعة وتأكيد الثوابت، بعيداً عن العمل على صناعة عدوّ وهمي بدلاً من العدو الأساسي، ولا بد للشعب العربي أن يعلم أن الولايات المتحدة لا تقيم وزناً لأحد إلا بقدر ما يخدم مصالحها، فهي مستعدّة للتخلي عن كل من تسمّيهم حلفاء بمجرّد انتهاء دورهم، لأنهم في الحقيقة مجرّد أدوات، والمشهد في أفغانستان كان واضحاً في الإشارة إلى هذه الفكرة.
وشعبنا إذ يحتفل بهذه الذكرى العظيمة فإنما يستلهم دروس الماضي المجيد لشحذ الوعي واستنهاض الهمم بما يمكّننا من صياعة مستقبلنا بعيداً عن الهيمنة الأجنبية، والاندفاع بحماسة أكبر حتى نتمكّن كأمة أن نحجز مقعداً لنا في عالم المستقبل.