“ميوزيكال” تاج العروس.. استحضار الشعر الأندلسي بالتماهي بين الماضي والحاضر
ملده شويكاني
لكل شيء إذا ما تمّ نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول
من سره زمن ساءته أزمان.
قصيدة الشاعر (أبو البقاء الرندي) في رثاء الأندلس على نغمات العود والإيقاعيات، كانت حاضرة في دار الأوبرا بصوت كفاح سلمان في عرض “ميوزيكال” تاج العروس، لثلاثة أيام متتالية على مسرح الأوبرا. تأليف محمد عمر وإخراج أحمد زهير وبمشاركة عدد من الممثلين والراقصين والمغنين.
ويُبنى العرض على التأليف الموسيقي الحامل للوحات الراقصة والمشاهد التمثيلية من خلال الرقص التعبيري ضمن حكاية مسرحية راقصة، بمشاركة ستين راقصاً وراقصة من الأكاديميين المحترفين، بالتكامل مع التقنيات الفنية المبهرة والإضاءة- ماهر هربش-وخاصة ديكور المسرح المتجدد- غيث المحمود- بإمكانات ضخمة، ومن إنتاج شركة دانس للرقص المسرحي، وذلك بالتعاون مع وزارة الثقافة ودار الأوبرا.
حكاية حب
يتماهى العرض بين الحاضر والماضي ويتكئ على التاريخ المشرق للعرب في الأندلس في البداية، ومن ثم يحكي حكاية الانهيار والغزاة والتهجير، تتخللها حكاية حبّ بين “جيدة”– وأحد أفراد الغجر “خابيرو”، ويمضي الخط الدرامي بالصراع على حب جيدة بين خابيرو وألفونسو الحاكم الإسباني الذي جسّد دوره الممثل والراقص جوان خضر.
موسيقا متنوعة
قام بالتأليف الموسيقي محمد هباش، فدمج بالموسيقا التسجيلية بين الموسيقا الإسبانية والفلامنكو والعربية والموسيقا الشعبية للغجر، إضافةً إلى دور الموسيقا الآلية التي أخذت مكان البطل في كثير من المشاهد، وتتالت المشاهد الراقصة بدور الصوليست، والرقص الثنائي ضمن اللوحة وفي مشاهد منفردة. واعتمد الحوار على توظيف الشعر الأندلسي، والتغني بإشبيلية، ولم يخلُ من الإسقاطات الواقعية.
القصر المنيف والغرقى
يبدأ العرض من تأثير موسيقا النحاسيات القوية مع الضربات الإيقاعية المتتالية للتأثير على الجمهور إعلاناً عن بداية الحدث برفع الستارة عن القصر المنيف في إشبيلية في الأندلس عام 1485، مع انعكاس الإضاءة الملونة على الأقواس الحجرية، وإظهار مفردات التراث الموسيقي بحضور آلة العود مع الراقصات، وفجأة يمرّر المخرج نشرة أخبار صوتية تتزامن مع حركة المهاجرين البطيئة بالإعلان عن عداد المفقودين والعثور على الجثث الغرقى على السواحل. ثم ينتقل المشهد إلى لوحة غنائية راقصة لمغني الغجر مع الغيتار تتغنى بالعاشقين.
التعايش الديني
خلال العرض يركز المخرج على التعايش الديني من خلال مشهد للراقصين وجلسات الذكر وترديد “يا حيّ يا قيوم” على وقع الإيقاعيات “أمرك كن فيكون، يا إلهي يا إلهي” مع تأثير الإضاءة المتداخلة بين لوني السكينة والطمأنينة الأخضر والأزرق.
وتتابع الألحان بدور القانون والعود وبترديد “سبحان الله” بالتوازي مع البعد الصوتي لشيخ الطريقة “حيّ”، يتبعه مشهد الشموع وترنيمة مريم بمشاركة الراقصات بأثوابهن البيضاء.
هجوم الغزاة
وتتصاعد الأحداث بهجوم الغزاة وهم يحملون السيف والترس بلوحة راقصة تعتمد على الحركة السريعة وحركات الجمباز والقفز بالهواء. وبعد القتال يعود الحوار بين الشخصيات العربية “لكننا لم نخسر كرامتنا بعد”، وبالتغني بإشبيلية “شعرها سواد المسك وكحل العين، روحها تخفق مثل طير في السماء “إلى مرحلة الانهيار” كل مجد صار بيت العنكبوت”.
ويتألق مشهد الحنين والحب ووداع “جيدة” وحبيبها بالرقص التعبيري الثنائي “يا شوقي الحنون، انتظري لا ترحلي”.
صهيل الأحصنة
ويعود الغزاة لمحاولة خطف جيدة بصورة الخفافيش المعبّرة عن طيور الظلام برمزية إلى داعش والإرهاب. وعلى وقع صهيل الأحصنة وتأثير وقع حوافرها وخطواتها السريعة تبدأ لوحة القضبان وتعذيب الغزاة للأبرياء.
موت الحبيبين
وفي المشاهد الأخيرة تواجه جيدة وحبيبها مصيرهما المأساوي، فبعد مشهد الرقص الجماعي المتناغم بين الغناء العربي والغجري، يرقص الفتيان بحركات تتناغم مع قصيدة لسان الدين بن الخطيب:
“جادك الغيث إذا الغيث همى
يازمان الوصل بالأندلس”
ثم تصل المسرحية إلى النهاية الحزينة بسقوط جيدة بعد أن تضع تاج العروس، وبقتال ألفونسو الحاكم الإسباني وخابير الشاب الغجري، فيطعنه ليسقط صريعاً بجانب حبيبته.
وربما أراد الكاتب محمد عمر أن يحاكي قصص نهايات قصص الحب العالمية، وأشهر قصص الحبّ في تاريخ الأدب العربي، وانتهى العرض بالأغنية الوطنية “هيلا هيلا” إيماءة إلى انتصار سورية بالحرب الإرهابية.
خلال العرض بدا دور الممثلة القديرة ناهد حلبي التي جسّدت دور والدة جيدة رابطاً للأحداث بين الهلع والخوف والتهجير وحماية جيدة، كما جسّد دور والدها غسان الدبس. وشارك عاصم سكر بالغناء مع كورال سورية، أما تصميم الرقصات والكريوغراف فكان لرنيم ملط، والأزياء لـ أحمد منصور.