الواقع التربوي يعكس تداعيات الظروف الاقتصادية.. وتصاعد العنف المدرسي يكشف غياب الإرشاد!
دمشق- البعث
تأثرت مسيرة التربية والتعليم بشكل سلبي خلال الحرب، إذ اختلف واقع الحياة المدرسية بدرجة كبيرة لأسباب عديدة، منها ما يندرج ضمن الواقع العام الذي فرضته الحرب، ومنها ما يتصل بالظروف المعيشية والحالة الاقتصادية، وما رافق ذلك من ظروف صحية ونفسية وانفعالية سيئة وعمالة مبكرة بين الأطفال والمراهقين.. وعوامل أخرى أدّت في نهاية المطاف إلى انتشار الفوضى والنمط المضطرب من جوانب عدة وبشكل يؤثر على العملية التدريسية التي تعاني ما تعانيه من نقص في الكوادر التدريسية.
وطبعاً هذا الواقع التربوي غير السويّ فرض إيقاعاً حياتياً مضطرباً داخل المدارس لجهة العنف المتزايد، والذي يلقي المزيد من المسؤوليات على الإرشاد المدرسي الذي ورغم استشعار وزارة التربية لدوره المهم، وما يمكن أن يقوم به المرشد المدرسي في بحث وعلاج المشكلات النفسية والانفعالية التي تقف خلف ظاهرة العنف، إلا أن ذلك بقي غير مفعّل نتيجة عدم دعم المرشد ومنظومة الإرشاد بالكامل داخل المدارس، فالمنغصات لا زالت موجودة والآمال لا زالت معقودة لبذل مزيد من الجهود من جميع أطراف العملية التربوية لنشر الوعي بأهمية المرشد النفسي في الحدّ من ظاهرة العنف بين الأطفال والمراهقين في المدارس.
عدد من المرشدين المدرسيين الذين التقيناهم أكدوا أن مهنة الإرشاد النفسي مهنة نبيلة جداً، تتطلب من المرشد بذل جهود مهنية مضاعفة للولوج إلى الخلجات الداخلية للطفل أو المراهق وتلمّس مشكلاته النفسية والانفعالية والاجتماعية، والتي قد تكون ممتدة ويكون سببها الأسرة أو المجتمع أو أي خلل ما في العملية التربوية. وبالمقابل فإن المطلوب من المرشد النفسي أن يكون فاعلاً وليس منفعلاً ويقود دفة العملية التربوية بالتعاون مع المعلم وإدارة المدرسة والسلطات التربوية والأسرة والمجتمع عموماً، فحاجة الأطفال والمراهقين اليوم للدعم النفسي توازي حاجاتهم إلى الدعم الصحي والغذائي ليأخذ بيدهم للوصول إلى أعلى مستوى ممكن من الصلابة النفسية والتوافق الشخصي والاجتماعي ومتابعة التحصيل الدراسي بتفوق. وبيّنوا أن الواقع الحالي في المدارس، رغم أهمية وجود وحضور المرشد النفسي، محفوف بالعديد من التحديات، وخاصة مع الاختلاف الكبير في المنظومة الاجتماعية وتسلّل العنف إلى حياة الأطفال بطرق عديدة وتكوين فكر مبنيّ على العنف وعدم احترام المعلم، وهذا ما جعل الكثير من المرشدين ينأون بأنفسهم عن المواقف المحرجة والتي قد تطال مكانتهم التربوية والمجتمعية أو تلك التي قد تتسبّب لهم بالأذى الجسدي .
ويرون أن تقلّص دور المرشد في المدارس يعود في بعض جوانبه أيضاً إلى عدم امتلاك المرشد النفسي ما يكفي من المهارات (التطبيقية) التي تمكّنه من الولوج إلى المكنونات الداخلية للتلميذ الذي يعاني من أي اضطرابات نفسية أو انفعالية حال دون متابعة تحصيله الدراسي بالتزامن مع عدم توفر اختبارات عقلية أو مقاييس نفسية أو انفعالية /فردية أو جماعية/ تمكّنه من التشخيص الأولي لطبيعة كلّ حالة، إلى جانب ازدحام التلاميذ في الصف الواحد أو تكليف المرشد النفسي بأعمال إدارية تحول دون تفرغه لمتابعة أي حالة مزمنة، بالإضافة إلى مشكلة مهمّة جداً نابعة من المرشد النفسي ذاته كعدم رغبته باتّباع الدورات التدريبية التي تقيمها -بين الفينة والأخرى- مديريات التربية في المحافظات، بالإضافة للأسباب المادية المتمثلة في عدم تناسب مستوى الدخل مع مستوى المعيشة والذي قد يحول دون تمكّن المرشد النفسي من تقديم أفضل ما لديه من الناحية المهنية.