اقتصادصحيفة البعث

التصنيع الزراعي.. مشاريع وخطط ورقية تنتظر مرحلة إعادة الإعمار.. وإيقاف التصدير يحقق قيمة مضافة

دمشق- بشير فرزان

رغم الحديث المتكرّر عن التصنيع الزراعي، إلا أن هذا التوجّه لم يحقق أبعاده الاقتصادية المطلوبة، وخاصة لجهة تحقيق القيمة المضافة من الإنتاج الزراعي الذي يصدّر إلى الخارج كمواد خام بما يتسبّب بخسائر اقتصادية كبيرة لها مفاعليها السلبية على العائد المادي، سواء على التّجار أو الفلاحين، وطبعاً هذه المعادلة تتكرّر كلّ عام وفي مختلف المواسم، وخاصة عندما تحدث خللاً كبيراً.

ولا شكّ أن المؤسّسة العامة للصناعات الغذائية المسؤولة عن القطاع الغذائي اتخذت وفق ما تبيّن تقاريرها المزيد من الإجراءات للنهوض بواقع عمل الشركات وتطويرها، والتوسّع في مشاريع تعبئة المياه وتوزيعها وزيادة الطاقة الإنتاجية فيها باعتبارها من الأنشطة الاقتصادية الرابحة، فإلى جانب وحدة مياه السن تمّت دراسة إقامة معمل لتعبئة المياه في المنطقة الشمالية بمحافظة حلب “الخفسة”، وإضافة أنشطة رديفة لتعبئة المياه وإنشاء مصنع لإنتاج البريفورم والسدادات، وتطوير شركتي زيوت حلب وحماة وإعادة تشغيلها واستيراد مادة بذور القطن وعصرها وتعبئتها، ومعالجة وضع الكونسروة عبر إضافة خطوط إنتاجية جديدة، والتوسّع في صناعاتها إضافة للمربيات.

وبيّنت المؤسّسة أن حصة الصناعة من التصنيع الزراعي اقتصرت على الأجبان والألبان والكونسروة، وبعد توجيهات هيئة تخطيط الدولة انضمت في الـ2018 تصنيع البيرة الكحولية إلى وزارة الصناعة، أما المعكرونة الطويلة والقصيرة وإنتاج الخلّ الطبيعي فهي بعهدة القطاع الخاص، إلى جانب مشروعي تفل العنب ودبس العنب اللذين تمّت إعادتهما من هيئة تخطيط الدولة ليصبحا ضمن المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لتبقى وزارة الصناعة إلى جانب ما ذُكر مستمرة في السير بنفق متابعة إجراءات تنفيذ بعض المشاريع وتوقيع مذكرات التفاهم مع الأصدقاء واستكمال الدراسات والبحث عن شركاء جدد.

وأكدت المؤسّسة أنه لتحقيق سياساتها الأمثل، اقترحت عقد اجتماعات ثنائية بين وزارتي الزراعة والصناعة على مدار العام لربط الخطة الزراعية مع الخطة الصناعية، ومتابعة تحديث القوانين الناظمة لعمل القطاع العام الصناعي باتجاه منحه مزيداً من المرونة في متابعة تنفيذ الخطط الإنتاجية والاستثمارية، مع التشديد على مبدأ المحاسبة الاقتصادية للإدارات العاملة في هذا القطاع، وحلّ التشابكات المالية بين الجهات التابعة على مستوى وزارة الصناعة وعلى مستوى باقي الجهات العامة الأخرى، بما يساعد على حلّ مشكلة السيولة المالية لدى هذه الشركات، إضافة لضرورة الاستمرار بتوصية اللجنة الاقتصادية المتضمنة الموافقة على منع استيراد المياه المعبأة لإمكانية الشركة المتخصّصة بتغطية حاجة السوق الداخلية وتأهيل وتدريب العاملين في الشركات التابعة والتركيز على المجالات التسويقية ومحاسبة التكاليف والمجالات الفنية والتخصصية.

الخبير الاقتصادي معروف السليم يرى أنه في المستقبل يُفترض أن يتغيّر دور وزارة الصناعة ويرقى لمسمّى وزارة السياسات، بغية وضع سياسة عامة للصناعة بالتنسيق مع وزارة الزراعة والاستفادة من المواد الأولية الموجودة في البلد ومن الميزة النسبية التي تتمتّع بها سورية في بعض المواد الأولية الموجودة التي تؤثر على عمليات الإنتاج، وعلى أساسها تقوم صناعة تصديرية تؤمن قطعاً أجنبياً.

ورغم أن السليم أكد وجود اكتفاء ذاتي من المعامل المنتجة للأجبان والألبان والكونسروة، إلا أنها تفتقر للقدرة على المنافسة، معتبراً أن القطاع العام يمكنه الاستغناء عن بعض المواد لمصلحة الخاص ليعمل بها ليهتمّ العام بدوره بصناعات استراتيجية تصديرية تحتاجها الدولة، شريطة أن تكون قادرة على اتخاذ قرارات وإجراءات بشأنها وإصدار مراسيم وقوانين تحمي هذه الصناعة وتمكّنها من خرق الأسواق الخارجية وهي خطوة يحتاجها البلد بعد انتهاء الحرب والحصار.

وعزا السليم ضعف جودة الإنتاج إلى قدم خطوط الإنتاج التي تعود إلى الخمسينيات والستينيات، وهي اليوم عاجزة عن إعطاء الجودة المبتغاة للمنافسة في الأسواق وتقادم الآلة –برأيه- يرتب تكاليف أكبر بالصيانة وسوء المنتج التي تزيد بالتالي من التكاليف وارتفاع السعر الذي بدوره أيضاً يخرج السلعة من مضمار المنافسة.

ولفت إلى أن السياسات المذكورة كي تتحقق تحتاج إلى تشبيك مباشر مع وزارة الزراعة، ودراسة فعالة لطريقة التسويق كشكل وحجم ونوع العبوة والتغليف وكلّ ما يؤثر على ذوق المستهلك، إلى جانب دراسة السوق المستهدف، وهي خطوات يجب أن تتمّ قبل عملية التصنيع والقرار، بالتوازي مع دراسة كيفية عصر وتعبئة زيت الزيتون لاحتوائه على ميزات خاصة، مع ضرورة توقيع عقد مع دول للتأكد من أنها ستستورد الزيت أو غيره من المعامل التي قد تنشأ بعد التوجّه للشركاء في القطاعات الخاصة، مؤكداً أن القطاع العام مقيد بقوانين تمنعه من إنشاء شراكات، وبما أن “الصناعة” تمتلك مجموعة من الشركات المتوقفة عن العمل فإنها في حال طرحها للاستثمار بما يتناسب وحاجتها ستتمكّن من الحصول على خطوط إنتاج جديدة وتحافظ على العمالة وتحقق عائداً مالياً يعود لشركات أخرى.

ويلتقي رأي الخبير الزراعي محمود الطيب مع السليم، حيث يؤكد أن سورية قادرة على التصنيع الغذائي لأنها تمتلك المادة الأولية، إلا أن المشكلة تكمن بوضع الأولويات وتوزيع الأدوار ما بين القطاعين العام والخاص، والعمل بحرية ضمن قانون واحد، ووضع خارطة زراعية للمرحلة المقبلة والتنسيق بين الوزارات ولاسيما الزراعة، ووضع روزنامة لأهم المحاصيل التي يحتاجها البلد لخمس سنوات، إضافة للتشبيك بينهما لإنشاء معامل للتصنيع الغذائي في مناطق مناسبة، منوّهاً بضرورة أخذ التغيير الهيكلي بعين الاعتبار والاعتماد على الزراعة.

وبيّن الطيب أنه من المؤكد اقتصادياً أن تصنيع المنتجات الزراعية يمنحها قيمة مضافة، ويساهم في تشغيل يد عاملة محلية ويحقق موارد مالية بالقطع الأجنبي، لذلك لا بدّ من إيقاف عمليات تصدير أية مادة زراعية خام إن كان بالإمكان تصنيعها محلياً وبشكل يحقق قيمة مضافة ويساهم في تسويق المادة المصنّعة خارجياً.