في موسم الزيتون.. خطوط التهريب مفتوحة و”يومية القطاف” بـ50 ألفاً وشكوى عن تلاعب في المعاصر!!
ككلّ عام تزاحم موظفو القطاع العام لطلب الإجازات “بلا أجر” في هذا الشهر للسفر إلى القرى الساحلية والانضمام لقوافل قطاف الزيتون، وهنا لا نحصر العمل بأرض الموظف التي يملكها، بل يكمن الاتجاه اليوم للبحث عن العمل في أراضي الغير ممن هم خارج البلد أو حتى داخله، لكن مركزهم الاجتماعي وانشغالاتهم لا تسمح لهم بالعمل في أراضيهم، فتجاوز يومية العامل في القطاف الـ”50″ ألف ليرة أخرجت الموظفين من عباءة العمل بالزيّ الأنيق والاتجاه للقطاف، ولاسيّما أن أعباء الأشهر الماضية من مستلزمات المدارس وما رافقها من موسم المونة كبّد الموظفين ديوناً جعلت الخروج للعمل في أراضي الزيتون لشهر كامل الخيار الوحيد أمامهم لسد ثغرة ولو بسيطة من هذه الديون.
خط تهريب
في المقابل كان لأبناء القرى حساباتهم الأخرى في قبض “المعلوم”، إذ لم يعد تقاضي الأجر بالمال يفي عمال القطاف الأصليين ليصبح تقاضي الأجرة بالزيتون والزيت “موضة” خلال العامين الأخيرين، إذ يشترط العامل الحصول على “تنكة” أو أكثر من الزيت ومونته من الزيتون بحسب ساعات وأيام عمله في الأرض، خاصّة وأن سعر زيت الزيتون لا يقلّ عن المليون ليرة على مدار العام، في حين وصل إلى المليون ونصف المليون في الوقت الذي أوقفت فيه الجهات المعنية تصديره، إذ لم تفلح القرارات والخطط الموضوعة لتأمين المادة على الموائد بسعر معقول رغم وفرة الإنتاج العام الماضي، الأمر الذي خلق تخوّفاً لدى المواطنين من استحالة تأمينهم المادة هذا العام، ولاسيّما أن الإنتاج هذا العام أقل من العام الماضي، وبالتالي فإن ارتفاع سعر “التنكة” هو أمر مفروغ منه، إذ يؤكد أهالي القرى استمرار تهريب الزيت عن طريق التّجار الذين يتجولون في القرى لشراء ما بقي من زيت العام الماضي بسعر مليوني ليرة خلال هذا الشهر لتهريبها عن طريقة شبكة معنية بهذا الأمر إلى الدول المجاورة ومنها إلى دول العالم.
انخفاض الإنتاج عالمياً
ولأن تهريب الزيت يتمّ كتهريب الكثير من المواد الغذائية المصنّعة محلياً، بالتالي فإن متابعته ليست من اختصاص وزارة الزراعة التي تحدثت على لسان عبير جوهر مديرة مكتب الزيتون في الوزارة عن حصر عمل الوزارة بالإنتاج فقط، أما تسويق زيت الزيتون فيتمّ عبر عدة قنوات سواء تسويقه في السوق المحلية أو التصدير إلى السوق العالمية، في حين مراقبة تصريف الإنتاج بطرق غير قانونية هي مسؤولية الجهات المعنية بمكافحة التهريب، وأرجعت جوهر ارتفاع سعر الزيت خلال العام الماضي واحتكار الفلاحين لإنتاجهم وبيعه للتجار المتجولين بسعر مرتفع إلى ارتفاع السعر عالمياً، إضافة إلى ارتفاع تكاليف إنتاج المادة، ولفتت جوهر إلى أن ارتفاع السعر العالمي سببه عدم وجود إنتاج جيّد في مناطق الإنتاج عالمياً “إسبانيا وإيطاليا”، إذ انخفضت نسبة الإنتاج في إسبانيا حوالي 25% أما في إيطاليا فقد انخفضت بنسبة 37%، لذا كان البديل بالاستيراد من الدول الأخرى المنتجة لزيت الزيتون نتيجة عدم كفاية الإنتاج لتغطية حاجة معامل التكرير لديها. وأشارت جوهر إلى أن التقديرات الأولية لوزارة الزراعة لإنتاج الزيتون لنهاية شهر آب من العام الحالي 2023 وصلت إلى حوالي 711 ألف طن زيتون كامل، يؤخذ منه نسبة 20% لزيتون المائدة الأخضر والأسود، أما الجزء الأكبر الباقي أي 80% فيتجه للعصر لإنتاج زيت الزيتون.
انخفاض الاستهلاك
وعلى الرغم من أن قطاف الزيتون لا زال في بدايته في بعض القرى الساحلية، إلّا أن الفلاحين وجدوا في أجرة اليد العاملة وما تكبدوه من تكاليف إنتاج على مدار العام الكثير من الغبن والاستغلال بحقهم، خاصّة وأن سيناريو تكاليف الإنتاج سيمتد إلى أجور نقل المحصول إلى المعصرة وعصره وما يرافقها من غلاء أجور النقل وغلاء المحروقات التي ترفع أجور العصر في ظل انقطاع الكهرباء، واضطرار أصحاب المعاصر كباقي القطاعات لشراء المحروقات من السوق السوداء، ليصل الفلاح في نهاية المطاف بهامش ربح ضئيل، الأمر الذي وجد به الدكتور سليم الداوود /كلية الزراعة/ ضرورة التعاون على مدار العام بين جميع الجبهات المعنية بإنتاج الزيت لنصل إلى الهدف المرجو بتأمين المادة على الموائد بسعر مقبول يُرضي المواطن ولا يبخس بتعب الفلاح والتكاليف المادية والجسدية التي تكبدها، ولفت الداوود إلى أن تهريب الزيت ظاهرة غير قابلة للضبط بشكل كلي، إلّا أن الجهات المعنية قادرة على تخفيض نسبتها في حال تمّ ضبط سوق الزيت بشكل جديّ، بدءاً بإنصاف الفلاح وانتهاء برفع الأجور التي حالت دون شراء المواطن السوري للكميات التي كان يستهلكها على مدار العام، إذ انخفض استهلاك المواطن أكثر من 70% عن سنوات ما قبل الحرب نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطن وعدم قدرته حتى لو انخفض سعرها على شراء حاجته، وبالتالي من المفروض التفكير برفع الأجور والرواتب وخفض أسعار جميع السلع الأساسية وتوفير المحروقات والأسمدة بسعر مقبول ومن ثم خفض سعر الزيت والتفكير بتصديره.
سرقة من الأراضي
دكتور الزراعة تحدث عن انتشار ظاهرة التهريب بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة نتيجة ارتفاع السعر المُقدّم لهم من قبل شبكة المهربين مقارنة ببيعه محلياً، ناهيك عن قيام الكثير من الفلاحين بقطاف مواسمهم قبل الموعد نتيجة انتشار ظاهرة السرقة أيضاً، بالتالي الخوف من خسارة المحصول بشكل كامل، الأمر الذي أدى لنتائج سلبية كبيرة تتلخص بانخفاض إنتاج الكثيرين إلى أكثر من النصف، إضافة إلى الخسارة التي يتعرّض لها الفلاح أثناء عصر الزيتون من قبل المعاصر نتيجة ضعف الرقابة اليوم، وغياب ثقافة الشكوى عند غالبية الفلاحين مع عدم ثقتهم بأخذ حقهم في حال الشكوى أدى لتفاقم هذه الظاهرة ووقوع الفلاحين في خسائر متتالية، الأمر الذي يُحتّم تكثيف جولات اللجان المختصة بمراقبة المعاصر وإيجاد طرق تتيح للفلاح التأكد من صحة عملية عصر الموسم، داعياً الجهات المسؤولة عن تسعير المنتج بشكله النهائي للأخذ بعين الاعتبار كل ما سبق وعدم ترك الفلاح لقمة مستساغة من قبل تجار التهريب أو خسارته في حال تجنّب بيع محصوله تهريباً.
ميس بركات