لنتصل بـ “119”!
بشير فرزان
تتحمّل ما يمكن أن نسميها “طيبة المواطن” جزءاً من المسؤولية عن الفوضى السائدة في الأسواق، حيث يتعرّض لعمليات الاستغلال والاحتيال بشكل علني دون أن يكون له موقف أو حتى خطوة لاسترداد حقه الذي يُسلب من قبل التّجار الذين يمرّرون تجاوزاتهم ومخالفاتهم، بكل وقاحة، من باب قناعة المواطن بعدم التسبّب بأذية أحد، أو الإضرار بالبائع تحت مسمّى “حرام”!
ولا شكّ أن استفحال الغلاء في الأسواق يضع الجميع أمام حقيقة دورهم الغائب وحالة النأي بالنفس “كمواطنين” عن القيام بالمهمات التي يفرضها الضمير والواجب الأخلاقي تجاه المجتمع وحياتهم، فالجميع يمتلك الجرأة لتوجيه الانتقادات والاتهامات، بل للتشكيك والطعن في جهود الآخرين وتحميل ذلك الآخر المتمثّل بالجهات المعنية مسؤولية التقصير، وتفاقم المشكلات وغياب المعالجات التي يتمّ انتظارها منذ سنوات، وهم في حقيقة الواقع جزء لا يتجزأ من أسباب غيابها وعقبة أساسية في خطوات إزالة آثارها الكارثية، وهو التعبير الذي نستخدمه في أكثر الأحيان لوصف الحالات التي نتحدث عنها، أما المعضلة الأكبر التي لا نجد لها حلاً فتتمثّل بتلك الإشارات الاستفهامية الجاهزة والمتشابكة كشبكات عنكبوتية مترصدة لأخطاء الغير بصفته الرسمية.
ومن المؤسف أنه بدلاً من مساعدة الجهات الرقابية في أداء مهامها، يتهرّب المجتمع المحلي من ذلك تحت عناوين عديدة تدخل في سياق طويل من المفاهيم المغلوطة (“ما دخلني” – “حرام”)، في حين تستمر فيه ماكينة انتقاد الأداء الرقابي في تشويه سمعة المؤسسات والتقليل من شأن جهودها وعملها، وملاحقة كلّ ما تقوم به بتهمة الفساد وبشكل يعزّز من القطيعة بين المجتمع والجهات المعنية، وبدلاً من تكريس ثقافة الرقابة الشعبية وبشكل يبدّد مخاوف الناس وخاصة الموظفين أصحاب الدخل المحدود الذين خبروا تداعيات ارتفاع الأسعار على حياتهم، وباتوا أكثر قناعة بعدم جدوى أي زيادة في تحسين واقعهم المعيشي، نظراً لارتباطها الوثيق بارتفاع أسعار متصاعد لجميع المواد.. يتمّ التعامي عن هذه المهمة التي نضعها في مقام المهام الوطنية، كونها تشكل أولوية لكي تحقق الزيادة غايتها في مضاعفة القدرة الشرائية للمواطن وإدخال “البحبوحة” إلى حياته، ومواجهة جشع التجار وإفشال محاولاتهم لاستثمار أي زيادة من خلال تحويلها إلى فرصة مهمّة يقتنصها هؤلاء لتوجيه مردودها الاقتصادي نحو جيوبهم التي اعتادت اصطياد أي حالة تعافٍ داخل الأسواق.
وطبعاً، نحن لا نبرئ حماية المستهلك بشكل كامل، ولا يعني ذلك بكل مقاييس ومعايير المسؤولية أن نكون ملكيين أكثر من الملك، وأن نحمّل أنفسنا المسؤولية كاملة دون أن نأخذ بعين الاعتبار تعامل أصحاب القرار مع هذا القطاع الحسّاس بشكل ارتجالي، ومحاولاتهم المستمرة لجعله حقلاً للتجارب، بحيث تمضي السنوات ونحن نخسر ونخسر كثيراً لأننا نتعامل بالروتين والبيروقراطية مع قضايا مهمّة وحساسة جداً لا تقلّ في أهميتها عن القضايا الوطنية بكل تفاصيلها. ولكن الظروف الحالية تحتاج إلى خلق حالة من التفاعل الرقابي لوقف تفاقم المخالفات، وخاصة لجهة ارتفاع الأسعار، ومن ناحية أخرى محاربة ضعاف النفوس الذين يعبثون بالأسواق ويستسهلون الغش أو الاحتكار أو التلاعب بالمواصفات والنوعية لتحقيق الأرباح الفاحشة لن يكون بالشكوى من ممارساتهم فقط وإطلاق الاتهامات بل من خلال تحمّل المسؤولية ولعب دور الشريك الرقابي، وبذلك يمكن إثبات تقصير الجهات الرقابية بعد امتلاك الدليل المتمثل بإجراء اتصال هاتفي على الرقم 119 والإبلاغ عن أي حالة خلل، ومن ثم متابعة الإجراءات المتخذة بحق المخالفة والحكم عليها بالإيجابية أو السلبية.