معادلات الرد باتت مختلفة
علي اليوسف
صحيح أن الاعتداءات الإرهابية لم تعد محلّ مفاجأة لدى الدولة السورية، إلا أن المجزرة التي ارتكبتها التنظيمات الإجرامية في حفل تخريج طلاب الكلية الحربية في حمص أخذت أبعاداً جديدة في الشكل والمضمون، لجهة تمادي هذه التنظيمات في الاعتداءات على أكثر من مستوى، سواء في الأدوات المستخدمة في الجريمة، أو نوع المواقع المستهدفة على الأرض السوريّة.
بالأمس، قطعت طائرات مسيرة مسافةً لا بأس بها لتفرغ المواد المتفجرة في الكلية الحربية في حمص، والجديد هنا هو الأسلوب الذي يُستخدم لأول مرة في هذا النوع من العمليات الإرهابية، وهو سيناريو يحاكي خطط النظام التركي في عملياته الاحتلالية داخل الأراضي السورية. وما دامت المسيرات انطلقت من معاقل الإرهابيين التي تشرف عليها قوات الاحتلال التركي، فإن المؤكد أن من خطّط لهذه العملية يمتلك التكنولوجيا التي تؤهله لاستخدام طيران مسير والتحكم به عن بعد لتنفيذ المجزرة، وهذا يثبت أن هذا العمل تقف خلفه أجهزة استخبارات وأن التنظيمات الإرهابية ليست إلا أدوات التنفيذ، خاصةً وأن تقارير كانت قد أشارت منذ فترة إلى أنه جرى تزويد تلك التنظيمات بالطيران المسير من قبل استخبارات غربية.
وفي تقييم وتحليل معاني الاعتداء الإرهابي يمكن استشراف أنّ المستهدف هنا هو كسر معادلات التهدئة، وإعادة خلط أوراق المنطقة بعد وضوح مساراتها السياسية العربية – العربية، والعربية الإقليمية، والعربية الدولية، مقابل الإهمال الكبير للدولة التركية وباقي الجوقة الغربية عربياً وروسياً وصينياً، ناهيك عن الجمود في العملية التفاوضية لمخرجات آستانا التي لا يزال أردوغان يلعب على حبال الضامنين الروسي والإيراني.
وللربط المنطقي أكثر في هذه المعطيات، تمّ تسريب مشروع لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية مقابل انتشار الجيش العربي السوري بضمانات روسية وإيرانية، لكن تركيا رفضت هذا المقترح وخرج وزير دفاعها للحديث عن تهديد الأمن القومي التركي من دول الجوار، وأن لا نيّة لبلاده بالانسحاب من سورية. هنا كان من اللياقة السياسية لدى الدولة السورية والضامنين الروسي والإيراني تجاهل النظام التركي وإخراجه من دائرة الشريك إلى دائرة الحليف غير الموثوق. وعلى ما يبدو أن هذا الحليف غير الموثوق لم ترق له فكرة الإهمال خاصة بعد زيارة الرئيس بشار الأسد إلى الصين وتوقيع الشراكة الإستراتيجية معها، وهنا ربما يكون الغمز والرسائل قد لا يقصد بها روسيا وإيران وحدهما، بل ربما الصين أيضاً. إذاً هناك رسائل سياسية يريد أن يرسلها أردوغان عبر تنظيماته الإرهابية كـ”التركستان”، لكن ما المقصود من هكذا رسائل بطعم الإرهاب؟.
ألم يعلم أردوغان أنّ هذا السعار التركي وتنظيماته الإرهابية في وجه الدولة السورية، والذي تتحمّل أثره التدميريّ، أنه لن يبقى بلا ردّ ومن سورية تحديداً؟ لذلك ما دام أردوغان أطلق شرارة المعركة، فمن الطبيعي جداً أن تكون جبهة جبل الزاوية وكل بؤر الإرهاب التي يرعاها أردوغان تحت مرمى نيران الجيش العربي السوري، وفرض تطوّر عسكريّ جديد بعد تفاهمات خفض التصعيد الموقعة عام 2017، وصولاً في قادم الأيام إلى المواجهة الحتميّة والقريبة على جبهة تجمع المرتزقة الإرهابيين في إدلب ومحيطها ليس انتقاماً فقط، بل إشعار بأن معادلات الردّ باتت مختلفة.