لماذا الكليّة الحربيّة..؟
عبد الكريم النّاعم
قال سبحانه وتعالى: “ولا تَحْسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون”.. (صدق الله العليّ العظيم).
بداية أقول يعجز الكلام عن التّعبير، ويعتَمل في القلب من الغضب ما لا تستطيع الحروف نقْل مشاعره، وهذا كلّه لا يمنع من أنْ نقف وقفة تحليليّة، فعسى أن يساعد ذلك على الخروج من “ذهول” الصّدمة إلى “وعي” اللّحظة، بأبعادها، عسى أن يكون ذلك مرقاة إلى ما يليق بدماء الشهداء منذ ميسلون حتى الآن.
* العدوان، ببعض أهدافه المُضمرَة، يعيد إلى الذاكرة مجزرة مدرسة المدفعيّة بحلب، واليد المنفِّذة واحدة، وهي يد الإرهاب التكفيري الداعشي الإخواني، مدعوماً من كلّ القوى المشغِّلة، وهي قوى على تعدّدها ترتبط بالمخطط الصهيو أمريكي.
* العدوان يريد أن يظلّ الإحباط مُطوِّقاً لنا، ونحن نسعى للخروج من مجموعة الأنفاق التي حفروها في باطن الأرض، وفي دخائل النّفوس الضعيفة المستعدّة لبيع شرف الأمهات والأخوات والبنات في سبيل حفنة من الدّولارات.
* في بدايات حريق الخراب العربي، الذي تراجع بعد أن انكسرتْ حدّته قليلاً، وأعلن بعض قادته عن فشلهم في تحقيق ما أرادوه، كنتُ أقول، وقد راهن المتآمرون في الخارج والداخل على تفكيك المؤسّسات، وإحداث انشقاقات تُضعِف المعنويّات، وتكسر نفسيّاً ما يجب أن يُجبَر.. في ذلك الحين، كنتُ من القائلين إنّ المؤسّسة العسكريّة في سوريّة ستكون قلعة عصيّة على الاختراق، وهي بوطنيّتها ستظلّ الموقع المتأبّي على الاختراق، وجاءت الأحداث بعد ذلك تؤكّد هذا القول. وما أنا ممّن يقرؤون الغيب، بل كنتُ أنطلق من أنّ الجيش الذي استطاع في لحظة تاريخيّة، في حرب تشرين 1973، أن يجعل غولدا مائير تبكي خوفاً من انهيار الكيان الصهيوني، لولا تفريط السادات الذي غيّرتْ توجّهاته نتائج المعركة، فأعطى جميع مفاتيح مصر للصهيوني كيسنجر.. كنتُ أثق بهذا الجيش.
* إنّ العدوان على الكليّة الحربيّة يوم الخامس من تشرين الأول، وفي ذكرى حرب تشرين المجيدة، يأتي ليُعلِن أنّ الغرف السوداء التابعة للمخابرات الغربيّة لن تتوقّف لحظة واحدة، وأنّها ستظلّ تصبّ الزيت على النار – ما دامت قادرة – كي لا تستعيد سوريّة بعض عافيتها؛ وهي معركة، في ظلّ تشابكات الصراع العالمي، والذي تُعتَبر حرب أوكرانيا واحدة من أبرز عناوينه، بما تحتمله من تحوّلات تعيد ترتيب العالم من جديد.. هذه المعركة طويلة وشرسة، وكلّ المُعطيات تؤكّد أن سوريّة ستظلّ هدفاً استراتيجيّاً، لأنّها حين تسقط – لا سمح الله – فستسقط المنطقة كلّها بيد واشنطن وتل أبيب.
* إنّ شراسة العدوّ في المواجهة تعني أنْ لا أمل إلاّ في المواجهة الواعية التي تأخذ بعين الاعتبار أنّ تقوية الداخل، وسدّ الخروقات، والارتكابات، والانحرافات، بوعي أو بجهل.. هذه التقوية هي جزء أساس ورديف لقواتنا المسلّحة التي حفظتْ وحدة الوطن الدّاخليّة، رغم الإجراءات المعادية التي تُدرك أنّ نجاحها في تفتيت التماسك الوطني هو الخطوة الأولى، لا لكسب المعركة في سوريّة، بل في المنطقة كلّها، بما لذلك من تأثير على أحداث العالم.
* تتغيّر التسميات من الإخوان المسلمين، إلى الدواعش، إلى التركستان، والإيغور، إلى الخلايا النّائمة في الداخل، والتي نلمس آثار أفعالها.. تتغيّر هذه ولا تتغيّر الأهداف، وهذا يفيد أنّ شراسة المعركة تستدعي أن تكون الردود، على المستوى الداخلي والخارجي، بسويّة شراسة الغدر والإهمال، إذ ليس ثمّة خيارات، وأنّ أرواح الشهداء في سوريّة، حيث لم يعد يخلو بيت من فقدان شهيد أو أكثر.. هذه الأرواح لن تجد راحتها إلاّ بردّ حازم، ومدروس، يشفي صدور قلوب مؤمنة بالله وبوحدة الوطن.
aaalnaem@gmail.com