طوفان الأقصى .. صوابية خيار المقاومة
د.معن منيف سليمان
يستخلص العرب من انتصار طوفان الأقصى الدرس الرئيس الذي كادوا ينسونه، وهو الذي يؤكد على صوابية خيار المقاومة من أجل تحرير الأرض، فما حدث في غزة ليس إلا نموذجاً حياً لنمط من المقاومة خبرته من قبل المجتمعات العربية وغير العربية معاً. ولعل أهم درس يمكن استخلاصه من ملحمة الطوفان هو إمكانية هزيمة الاحتلال في نهاية الأمر، وأن أي شعب له الحق المشروع في مقاومة المحتل، وسيكون النصر حليفه مهما بلغت قوة وجبروت هذا المحتل. فقد أثبتت المقاومة أنها قادرة على الانتصار في ظلّ الخلل الكبير في موازين القوى بينها وبين أعدائها، فأصبحت بندقية المقاومة قادرة أن تعكس مجرى التاريخ وأصبح العدو هو الذي يتراجع ويتخبّط حتى داخل مجتمعه.
لقد أظهرت المقاومة الفلسطينية عظم الإمكانيات النضالية التي يختزنها الشعب العربي، وقدراته الهائلة على العطاء والصمود، فعلى الرغم من أرتال الشهداء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ العزل، وضخامة موجات التدمير الوحشي للمنازل صمدت المقاومة وتجمعت إرادة الشعب على مواجهة العدوان وتحقيق الانتصار، وقد كان له ما أراد.
وشكّل انتصار المقاومة تقويضاً نسبياً لقدرة الردع الإسرائيلية، التي تعدّ أحد الركائز الأساسية لما يسمى “الأمن القومي الإسرائيلي”، حيث نجحت المقاومة في تغيير قواعد اللعبة الجديدة فسنّت قانون السن بالسن والعين بالعين، وأصبح الصاروخ العربي بخلفية حامليه ومطلقيه الإيمانية يواجه كل مخزون السلاح الصهيوني. فالجيش الذي لا يقهر لم يستطع أن يقف سداً مانعاً أمام طوفان جرف أكذوبة طالما تباهى فيها هذا العدو منذ قيامه، وعلى الرغم من كل الجهود والعمليات العسكرية المكثفة في الجو والبر والبحر لم يسلم خلالها الداخل الإسرائيلي من قصف المقاومة الصاروخي الذي لم يتوقف على الرغم من جميع المحاولات الإسرائيلية لإيقافه.
وكانت سورية من أشد المؤمنين بدور المقاومة وقدرتها على صنع المعجزات، وكان الدعم السياسي والمعنوي المتواصل للمقاومة الفلسطينية من قبل القيادة السورية وحماية الخيار المقاوم لدى الشعب الفلسطيني، والأحداث التي تشهدها سورية في هذه الأيام العصيبة وما تتعرض له من مؤامرة دولية وإقليمية وعربية دنيئة إلا ثمن لهذا الموقف المقاوم. وستبقى سورية مناصرة لخيار المقاومة من أجل التحرير في لبنان وفلسطين والعراق واليمن وجميع الأراضي العربية المحتلة مهما اشتدت شراسة الضغوط الأمريكية ومهما هددت نظامها الوطني المقاوم، فإن ذلك سيعزز الموقف السوري ويزيده مناعة وقدرة على الصمود.
وسيبقى الأمل معقوداً على خيار المقاومة من أجل استكمال التحرير في لبنان وفلسطين والجولان وسائر الأراضي المحتلة طالما أن الشعب العربي بقي محتفظاً بإرادته ومحافظاً على كرامته وثابتاً على مواقفه المبدئية بما فيها موقفه الداعم لخيار المقاومة بلا تحفظ ورافضاً لسياسة الاستسلام للمشروع الصهيوني. فقد أثبتت التجربة اللبنانية في تحرير الجنوب اللبناني أن نهج الممانعة والمقاومة هو الطريق الوحيد لتحرير الأوطان من مغتصبيها، فليس من المبالغة القول: إن مستقبل المقاومة هو الذي سيحدد مستقبل المنطقة العربية.