الحلقة المفقودة في كرة القدم.. عندما يكون المال صاحب القرار بكرة القدم.. انتقالات واسعة بين أنديتنا وملاعب مهترئة وعمل إداري متواضع
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
انطلق الدوري الكروي الممتاز في نسخته الثالثة والخمسين والجميع كان يتوق لهذه الانطلاقة المرتقبة ليرى الفرق كيف بدت وكيف ظهرت وأي مستوى قدمت.
الجميل الذي واكب الافتتاح الحضور الجماهيري الكثيف الذي دل على عشق دفين من محبي كرتنا، فهؤلاء تقاسموا الملاعب، الكل التّم حول فريقه يشجعه ويدعمه ويؤازره في لوحة جماهيرية جميلة زينت ملاعبنا ومنحت الفرق روحاً جديدة تدفع اللاعبين نحو المزيد من العطاء والبذل في سبيل متعة كرة القدم التي يرجوها عشاق البساط الأخضر.
ولا شك أن كرة القدم تدور حول معادلتي الفوز والخسارة، فقسم من الجمهور خرج فرحاً وقسم أخر خرج حزيناً وقسم ثالث تقاسم فيه الجمهور شعور الفرح والحزن بحصول التعادل.
واللوحة الجميلة هذه يلزمها المزيد من الانضباط حتى لا تخرج كرة القدم عن أهدافها وقدسيتها، فالتشجيع يجب أن ينتهي كما بدأ، وعلى القلة القليلة المشاغبة أن تدرك أنها تضّر فرقها عندما تخرج عن أدب الملاعب، فكرة القدم يجب أن تجمع الناس على محبتها لا أن تفرقهم على نتائجها، ومن يفوز اليوم قد يخسرغداً والعكس صحيح لذلك لابد من الصبر على كرة القدم، وتقبل كل النتائج مهما كانت فالدوري طويل ولغة التعويض موجودة، والمهم تدارك الأخطاء والعثرات وإصلاحها بعد كل مباراة.
آفة ومكافحة
ألوان الشغب كثيرة وفتيلها يبدأ من صفحات الفيسبوك غير المسؤولة التي تبدأ بتأجيج الصراع قبل انطلاق المباراة، لذلك يدخل البعض من الجمهور على المباريات محتقناً على الفريق الاخر، وهذا من أكبر الأخطاء وعلينا أن نحذر من هذه المسألة وأن ندرك عواقبها على كل الصعد، لذلك فإن الجمهور عليه أن يعي هذه المسألة وان يبتعد عن أولئك الموتورين الذين يريدون الدوري جحيماً مملوءاً بالمشاكل والفتن، ومن هنا نقول: الجمهور إما أن يكون نعمة على فريقه أو نقمة عليه.
ولندع الحكام وشأنهم بل على العكس علينا أن نشجع الحكم ليقوم بمهامه كما يجب، نصفق للصافرة الجميلة ونصفر على الراية الخاطئة، كلما دعمنا الحكم في المباريات كلما تألق وصفا ذهنه وكلما هاجمنا الحكم كلما توتر ولعل أخطاءه ستزيد نتيجة التوتر والعصبية، فالحكم مثله مثل المدرب واللاعب الذي يخطئ في المباراة فالكل يخطئ وكرة القدم لعبة أخطاء وعلينا أن نتحمل أخطاء الحكام لنخفف من آثارها على الفريق لا أن نكون سبباً في العقوبات التي ستزيد من متاعب الفرق.
لكن الشيء المهم الذي نود الإشارة إليه أن الشتائم ليست من أخلاقنا وأن الحكم بشر قد يصيب وقد يخطئ في قراره، لكنه بالطبع لا يقبل أن يُشتم ويُشتم أهله، من هنا لأننا لا نرضى بمثل هذه التصرفات وهي خارجة عن عادتنا فإننا نهيب بجمهورنا المثقف والواعي أن يتصدى للغوغائيين في الملعب فلا يسوقونه إلى أماكن لا يريدها وعلى العكس عليه أن يتمسك بالوعي بعدم الانجرار نحو سوقية القلة القليلة من هؤلاء الذين يدعون حب ناديهم وهم بمثل هذه التصرفات يضرونه ولا ينفعونه أبداً.
أما في أرض الملعب فالمفروض أن يتحلى الجميع بالهدوء وضبط النفس لأن الأذى كما لاحظنا يبدأ من أرض الملعب من إداري متهور أو مدرب معترض أو لاعب يهوى المشاكل، لذلك من المفترض أن تكون دكة كل الفريق محافظة على هدوئها وأن تتولى الانضباط داخل الملعب حتى لا ينتقل الشغب إلى المدرجات وهنا الطامة الكبرى.
بكل الأحوال فإن الحالة الانضباطية الجيدة يجب أن تسود في كل المباريات بحثاً عن مباريات جميلة يكون هدف اللاعبين فيها تقديم أفضل ما لديهم ويكون الجمهور الصورة الحضارية الراقية التي تزين كل ملاعبنا.
من جهة أخرى فإن كل أنديتنا بادرت إلى تشكيل رابطة للمشجعين تضم عدداً جيداً من مشجعي الأندية الذين لهم باع طويل في الملاعب وخبرة في قيادة الجمهور، وللأسف فإن البعض من هذه الروابط تمارس دوراً سلبياً في المباريات بدل أن يكون دورها إيجابي، هذه الروابط يجب أن يكون دورها فاعلاً في المباريات في خلال اتصالها بالجماهير، وعليها التنسيق بشكل دائم مع المراقب ومنسق المباراة ورجال حفظ النظام من أجل اجتثاث الشغب المفتعل من البعض، وهذا أمر هين ويمكن ضبطه والسيطرة عليه بسهولة وخصوصاً إن تعامل الجميع بحكمة وروية مع اول صيحة غضب تصدر من أي أحد، لذلك المطلوب في كل المباريات تعاون الجميع في سبيل تحقيقه، فالشغب يبدأ من شخص أو اثنين أو مجموعة صغيرة، والتدخل سريعاً في البداية يؤدي إلى لجم الشغب.
التعاون هو أساس النجاح وعلى الجميع التعاون من أجل نجاح المباريات دعماً لكرة القدم ودعماً لأنديتنا التي نحبها، ولنتذكر أن الشتم والقذف ليس من شيمنا وأن رمي الحجارة على أرض الملعب يتنافى مع عاداتنا ا الأصيلة ويتنافى مع الحضارة والأخلاق التي نتحلى بها ونسعى إلى تأصيلها في ملاعبنا وأن الاعتداء على المنشآت عمل غير وطني، فماذا اقترفت هذه المنشآت ليتم الاعتداء عليها؟ ألا يجب أن نحافظ عليها حتى تستقبلنا مرة ثانية ومرة ثالثة؟
الفرق لعبت عدد من المباريات الاستعدادية قبل انطلاق الدوري وشاهدنا في بعض المباريات كيف فلتت زمام الأمور سواء من بعض اللاعبين أو المدربين، والمستغرب أن هذه الحالات السلبية ظهرت في هذه المباريات التي لا تؤثر نتيجتها على شيء، فكيف بنا في المباريات الرسمية التي لكل نقطة فيها أهمية خاصة؟
لذلك نأمل من كوادرنا ولاعبينا المزيد من ضبط النفس، ونأمل من إدارات الأندية أن تتعامل مع هذه الحالات بالمزيد من الحزم، ولا بأس إن أصدرت إدارات الأندية عقوبات صارمة على كل من يسيء في المباريات ويخرج عن أدبها وقدسيتها على مبدأ الثواب والعقاب، فكما تكافئ الإدارات لاعبيها وكوادرها من الطبيعي أن تعاقبها عند الخطأ وارتكاب المخالفات.
ملاعب مهترئة
الملاعب الكروية هي الركن الركين في عالم كرة القدم وهي أحد أسباب التطور والرقي على صعيد الأداء الفردي أو الأداء الجماعي، ودوماً فإن الملاعب غير الصالحة تساهم بتدمير كرة القدم، فتغيب جمالية الأداء وتختفي المهارة، وتصب هذه الملاعب ببوتقة اللعب العشوائي البعيد عن الخطط والتكتيك وأكثر المستفيدين منها الفرق الضعيفة التي تلعب الكرة العشوائية، ولا شك أن هذه الملاعب تسبب في إصابات اللاعبين بمختلف الإصابات العضلية وغيرها، وتحد كثيراً من اللياقة البدنية لأنها تستهلك الكثير من الجهد.
وللأسف باتت أكثر ملاعبنا غير صالحة، حتى ملاعب العشب الصناعي نجدها وقد احترقت واهترأت بفعل الزمن وباتت غير صالحة للمباريات وهي مضرة باللاعبين، ناهيك عن المرافق وخصوصاً في ملاعب الدرجة الأولى والشباب التي أصبحت مرافقها تفتقد للنظافة والمياه وربما بعض ملاعب الأحياء الشعبية والأكاديميات كانت أفضل منها.
المطلوب اليوم التدخل في عالم الملاعب وتحرك مسؤول من كل الجهات الرسمية والرياضية، الملاعب صارت تحتاج إلى حلول من أعلى المستويات، قد تكون الحلول داخلية أو عبر الاستثمار الخارجي، المهم أن نرى ملاعبنا خضراء صالحة لكرة القدم.
وحتى ينصلح حال ملاعبنا فلن نتوقع أن تساهم هذه الملاعب في تمكين الفرق من تقديم أداء جيد ولن تساهم في تطوير كرة القدم، لذلك سيبقى الدوري ضعيفاً وسيبقى الدوري السوري خارج التصنيف، وسنعاني من مسألة تسويق الدوري لأن كب الصور الجمالية بعيدة كل البعد عن الدوري الممتاز الذي هو ممتاز بالاسم فقط!
صورة مشوهة
من صور الموسم الكروي الجديد المشوهة الانتقالات التي حدثت بين الأندية وقد كانت شاملة وعامة وأقل نادٍ غيّر جسم الفريق بأكمله فصرف عشرة لاعببن من صفوفه وتعاقد مع العدد نفسه أو يزيد في صورة تدل على فكر الاحتراف الخاطئ الذي يسيطر على عقول القائمين على كرتنا، لذلك وجدنا أكثر من 150 لاعباً انتقل من نادٍ إلى أخر، فأندية الدوري غيرت الوجوه ولم تغير الفكر واستراتيجية العمل وبقي المال هو المسيطر في الدوري، والنادي الذي امتلك المال كان الأكثر سيطرة على سوق الانتقالات واللاعب هو المستفيد الوحيد من هذه الصفقات ولا شك أن (سماسرة) الدوري هي من تمتلك زمام الأمور في كل هذه الحالات والخاسر الأكبر هي الأندية وهي اليوم تدفع ضريبة عشوائية الانتقال وتدفع ضريبة سوء الإدارة والتخطيط.
لماذا هذه الصورة مشوهة؟ لأن كل نادٍ عندما اختار لاعبيه اختارهم من أندية متعددة، فتعاقد مع لاعب من هنا ولاعبين اثنين من هناك وأخر من نادٍ ثالث ورابع وخامس وهكذا، فكانت التشكيلة الجديدة عبارة عن مزيج من اللاعبين تحتاج إلى وقت طويل من الانسجام والتناغم، فضلاً عن وجود التنافس ببن اللاعبين على مراكز اللعب، فالأهم من التناغم والانسجام الفني وجود التناغم النفسي والمعنوي بين اللاعبين وللأسف نجد في بعض الحالات التناحر والخلاف بين بعض اللاعبين سواء ظهر هذا التناحر للعيان أم كان مضمراً في النفس، والمتعارف عليه دوماً أن التغيير يكون لضرورات فنية وتشمل عدداً قليلاً من اللاعبين، وهذه ضريبة التعاقد مع اللاعبين لموسم واحد، والمفترض أن يكون التعاقد لأكثر من موسمين على الأقل.
علاج هذه الحالات الفنية والنفسية تحتاج وقتاً طويلاً وتحتاج إلى حزم من الإدارة والقائمين على الفرق وهذا ما لا نجده في الكثير من ملاعب الأندية.
ورافق كل هذه التغييرات تغييرات شاملة في صفوف المدربين ومساعديهم وبقية الكوادر الفنية والإدارية بكل الأندية، فتبادلت الأندية المدربين مثلما تبادلت اللاعبين، وباتت الطواقم الجديدة جاهزة لقيادة (كوكتيل) اللاعبين في موسم جديد فيه كل شيء جديد.
الآثار السلبية لحالة عدم الاستقرار وجدناها في نادي الفتوة الذي أخفق في مباراته الأولى مع فريق جبل المكبر الفلسطيني في افتتاح بطولة الاتحاد الآسيوي، ورغم تواضع مستوى وأداء الفريق الفلسطيني، إلا أن الفتوة كان الأكثر تواضعاً فخسر المباراة، ولم يستفد من كل التغييرات التي أجراها ولم تعينه كل الأموال التي صرفها ولم يقدم نجوم الدوري الذين اختطفهم من أنديتهم بالمال الذي حاز عليه الأداء الذي يعكس مستوى اللاعبين والمدرب الذين هم نخبة الدوري، وهنا نجد أن المشكلة في كرتنا إدارية أكثر من هي مشكلة فنية.
فالمشكلة الكبيرة أن من يتولى زمام إدارة كرة القدم أناس غير اختصاصيين بينما نجد أهل اللعبة من الخبراء مبعدين عن صناعة القرار الكروي سواء في اتحاد كرة القدم أو في الأندية، لذلك فإن البعض بات يستغرب وجود عقود مع لاعبين لا قيمة لهم ولا طعم وقد انتهت صلاحيتهم الكروية لذلك فإن البعض بدأ يشير إلى وجود (سمسرة) خفية في العقود مع اللاعبين والمدربين في أماكن وملاعب الدوري، وإذا أضفنا إلى ذلك وجود الجهل في قيادة كرة القدم نخلص إلى نتيجة مفادها أن كرتنا تدهورت وتراجعت لأن من يملك قرارها في كل مكان ليس من أهل الكرة وهذه الحقيقة نجدها ساطعة في نادي الفتوة، فمن يملك القرار في إدارة كرة القدم بالنادي إدارة ليس لها علاقة بالرياضة ولا بكرة القدم، وتصويب الحال يبدأ بإبعاد أصحاب المال عن مصنع القرار بحيث يصبح الداعم داعماً فقط وليس صاحب قرار فني ليس له علاقة فيه ولا هو أهل ليصدره.