مجلة البعث الأسبوعية

هل أفلسنا أم فشلنا؟! برامج وخطط  “جود من الموجود” لم تعد تنفع..

البعث الأسبوعية – غسان فطوم

مؤسف أن شريحة كبيرة من الشباب على اختلاف فئاتهم العمرية، ومؤهلاتهم العلمية تشعر بأنهم غير مبالين بالتخطيط لمستقبلهم داخل الوطن، فالملاحظ أن هذا التخطيط شبه غائب عن أجندة أعمالهم، ولخّص الشاب الجامعي “عمر” سبب ذلك بقوله: نمشي بنور الله، فالأفق أمامنا يبدو ضبابي ولا يٌحفّز على متابعة التحصيل العلمي بحماس وشغف!.

هنا ثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها ولعل أهمها: لماذا وصل الشباب إلى هذه الحال من الإحباط واليأس والتشاؤم؟!.

من صنع أيدينا!

إذا أخذنا بالاعتبار ظروف الحياة الصعبة التي زادت سوءاً بسبب الحرب والتي كان الشباب أكثر المتضررين منها، كأحد الأسباب في الوصول إلى هذه الحالة من اللامبالاة الشبابية، لكن هناك أسباب ذات تأثير أكبر لا يمكن تجاهلها، والمؤسف أنها من صنع أيدينا وهي تتجلى بغياب ثقافة التخطيط ليس فقط ما يخص مستقبل الشباب وإنما على كل المستويات، حتى وإن وجد هذا التخطيط، فغالباً ما يكون وليد ساعته، أي ليس مبنياً على رؤية ناضجة بعيدة المدى ترتكز على وقائع وأرقام صحيحة ومعطيات تجعله ناجحاً وليس اعتباطياً، لذلك لا عجب أن يعيش الشباب التائه في حالة من الفوضى تاركين أمور مستقبلهم -المجهول بنظرهم- لضربة الحظ!.

طموح وجروح

عدد من أساتذة الجامعة والمعلمين اتهموا المنظومة التعليمية في المدارس والجامعات في إحباط التلاميذ وطلبة الجامعات، مشيرين إلى أن الكتب المدرسية والمناهج الجامعية الحالية رغم التحديث والتطوير الذي طرأ على بعضها إلا أنها لا تزال جامدة ولم تخرج بعد من شرنقة الحشو الزائد بالمعلومات غير المفيدة، عدا عن أن التدريبات العملية في المخابر القديمة تفتقر هي الأخرى للكثير من الحداثة التي تلبي متطلبات واحتياجات الطالب، بالمحصلة نجد أن أدمغة الطلبة مُتخمة بمعلومات لا فائدة منها، ولا يمكن أن تفتح لهم أبواباً مشرقة للمستقبل الذي يحلمون به!.

تجديد وتطوير

وأمام هذا الواقع دعا الأساتذة والمعلمون إلى بناء خطاب تربوي وتعليمي جديد يتماشى مع متطلبات العصر يمنح شبابنا الثقة بقدراتهم والقوة والمقدرة في المنافسة على فرص العمل وإسقاط أي تحديات خطيرة.

وفي أحاديث مع أكثر من خبير اقتصادي متابع للشأن المحلي لم يترددوا بالقول.. إن الحكومات المتعاقبة – ليس فقط في زمن الحرب، وإنما قبلها- لم تُرسخ منهجاً ذات أفق بعيد للتخطيط لاستثمار الموارد البشرية ولا حتى الموارد الاقتصادية، علماً أن سورية مرت في فترة بحبوحة أو رخاء اقتصادي وحققت فيه اكتفاء ذاتي، مبدين أسفهم بعدم استثمار تلك الفترة الذهبية، والمؤلم أن اقتصادنا اليوم بلا هوية، وشبابنا بلا طموح، بل يتألمون من الجروح!.

مسير سالك

بعض الخبراء أشار إلى وجود مؤسسات خاصة باستشراف المستقبل والتخطيط السليم له في العديد من دول العالم، تعمل كخلية النحل لضمان مسير سالك يحقق نمواً سريعاَ لاقتصادها، إضافة إلى برامج متقدمة لاستثمار العمر الشبابي للكوادر في الوقت المناسب، متسائلين ما الذي يمنع من وجود هكذا مؤسسات عندنا ترسم تخطط بشكل صحيح لمستقبل البلد وتضع الخطط الاستباقية لحل أي أزمة أو مشكلة تصادفنا، بمعنى أن تأخذ بعين الاعتبار جميع المتغيرات الداخلية والخارجية، وخاصة ما يتعلق باستثمار مواردنا الاقتصادية وتعزيز السياسات والبرامج والميزانيات التي تركز على الشباب ودورهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الذين هم سواعدها القوية أو الرافعة الحقيقية لها؟.

كما تساءلوا: لماذا لا نطلق مبادرات لصناعة المستقبل من قبل الحكومة والمنظمات والنقابات الخاصة بالشباب، أليس هذا بأفضل من نشاطات ومبادرات تقليدية لا طائل منها سوى هدر المال العام و”بروظة” من يقف ورائها وتنتهي فائدتها بحينها؟!.

أين الإعلام؟

ويستغرب عدد من الشباب أن يمر كل عام اليوم العالمي للشباب دون اهتمام، حيث يقتصر على إقامة نشاطات تعد على أصابع اليد الواحدة لا قيمة لها، فيما قضايا الشباب الأساسية غائبة عن الاهتمام ولا أحد يذكّر بها!، وعتب آخرون على الإعلام الوطني نظراً لبعده عن قضياهم، فبرأي الشباب أنه ما زال بعيداً أو خجولاً في ملامسة قضاياهم، علماً أن الملف الشبابي مليئاً بالشجون والهموم، مطالبين بإطلاق قناة فضائية شبابية، أو على الأقل إعداد برامج ميدانية شبابية ترصد نبض الواقع الشبابي من أجل تشكيل الضغط على الجهات المعنية بإيجاد حلول لمشكلة البطالة والهجرة واستثمار طاقات الشباب بدلاً من هدرها، مؤكدين أنه من حق الشباب المشاركة بصنع القرار، وخاصة الذي يتعلق بمستقبلهم.

واعترف أحد الشباب أن مشكلة الكثير منهم يفكرون بماضيهم أكثر من حاضرهم أو مستقبلهم، حيث تجدهم يتحسرون على أيام زمان، ويندبون حظهم ويبدون خوفهم من القادم وهذا ما يجعلهم معطلين محبطين، ولا ينفي الشباب أن بعضهم يفتقد لروح المبادرة والمغامرة، لكنهم بذات الوقت يحملون الجزء الأكبر من المسؤولية للمنظمات والمؤسسات التي تُعنى بشؤونهم والتي لم تعلمهم كيف يخططون لصناعة مستقبلهم الذي يرونه يضيع أمام أعينهم!.

قاتل الطموحات!

بالمختصر، نحن اليوم بأمس الحاجة لتأهيل جيل من المختصين في قراءة المستقبل ووضع الخطط التي تنسجم مع مستقبلنا وفق إمكاناتنا، فليس مقبولاً أن نرهن مستقبل شبابنا للخطط العشوائية والمبادرات الفردية لتحقيق الهدف في الوقت بدل الضائع، أو بشق الأنفس!.

الشباب ثروة لا تقدر بثمن، ففي كل يوم يمضي دون عمل جاد لأجلهم سوف ينزف جسد الوطن العشرات، بل مئات الشباب الخريجين في الجامعات من أصحاب الكفاءات والخبرات، الذين اعترفوا أن حالة اللامبالاة بمستقبلهم من قبل الجهات المعنية زادت من الضغط عليهم وأجبرتهم على اتخاذ قرار السفر وإن كان مغامرة محفوفة بالمخاطر!.

شبابنا لديهم روح المبادرة والعمل والرقي بواقعهم، ولا نعتقد أننا غير قادرين على اعتماد سيناريوهات ممكنة التحقيق في المستقبل، بما يرتقي بالدور المنوط بهم، بدلاً من تركهم فريسة للفراغ الذي هو سمّ قاتل للإبداع والطموح وسارق لأحلامهم ودفنها في مقبرة الأحلام!.