ورود “أبو فادي”.. هدية طالبي الأمل والحب
مادلين جليس
اعتدت يومياً وأثناء توجهي للعمل أن أسترق النظر مطولاً للأزهار، فالطريق الواصل بين مفرق الربوة، ودوّار المواساة، يعجّ بالمشاتل الجميلة التي تبهج العيون وتسرّ الأنظار.
كان مشتل أبو فادي هو وجهتي الأساسية، وكانت وروده هي الأقرب إلى قلبي، ففي ترتيبها شيء ما يجذب عيني للالتفات إليها، وإطالة النظر لجمالها، وعلى ما يبدو فإن أبو فادي آنس مروري اليومي، ولذلك اعتاد هو الآخر أن يلقي تحية الصباح عليّ بإحدى وروده الجميلة، إما قرنفلة أو فلة أو زهرة غاردينيا، أو حتى قطفة من زهرة الليلكة.
قبل خمسة وعشرين عاماً لم يكن أبو فادي هنا، وكان مصيره بعيداً تماماً عن الورود، كانت الأطعمة المختلفة النكهات، والمتنوعة الأشكال هي مجاله الذي أتقنه حتى أصبح ماهراً فيه حدّ الشهرة.
منذ صغره عمل أبو فادي في أحد المشاتل، واعتاد من حينها على الأزهار كما اعتادت عليه، لكن ذلك الوضع لم يستمر، حيث وجد فرصة عمل مهمة في إحدى مطاعم مدينة الكويت، وعمل فيها لأكثر من خمس سنوات، أتقن خلالها طريقة صنع مختلف أنواع الأطعمة والمأكولات الشرقية والغربية.
لكن ما حدث بعد ذلك، كان كفيلاً بتغيير مصيره، ففي صيف عام 1997، وأثناء عطلته التي من المفترض أن تكون راحة له من العمل، تعرّض لحادث مروع أصاب النخاع الشوكي بتمزق، ألزمه الفراش لأيام طويلة، كانت ثقيلة على قلب الشاب المندفع للحياة. فقرّر العودة للحياة والعمل رغم كل الصعاب، فكان الورد وجهته الأولى، وعودته الأبرز للحياة، حيث قام بزراعة الأزهار وافتتح مشتلاً جميلاً ضمّ أجمل الأنواع وأبهى الأشكال، وألطف الروائح العطرية، معتمداً على خبرته السابقة في زراعة الأزهار ورعايتها.
لم يتزوّج أبو فادي، ولم يكن له نصيب أن يرى أبناءه أمام عينيه، لكنه كان أباً عطوفاً للأزهار التي يرعاها في مشتله، يعتني بها كمن يعتني بأطفاله، يلاعبها ويحادثها ويراقبها كما لو أن كل زهرة منها هي طفله الذي لم ينجبه، والذي حلم به طوال عمره.
يروي أبو فادي كيف لا يزال حتى اليوم يعدّ لعائلته بعض أنواع الأطعمة، ويتغنى بـ”تتبيلة المشاوي” التي يحضّرها لهم، ويذكر العديد من الوصفات التي تعلمها والتي أتقنها بكثير من الحب.
اليوم أبو فادي يعيش مع وروده، يشرب قهوته الصباحية معها، يتحدث إليها، ويهديها لكل عابر طريق ولكل طالبي الأمل والحب من الأزهار.