نتيجة تاريخية وليست مفاجأة
بشار محي الدين المحمد
إن ما يحدث الآن هو شيء مذهل وغير مسبوق بكل تأكيد، ولا سيما في ظلّ حملات التجييش والتحريض التي تحاول التقليل من شأن عملية المقاومة الفلسطينية “طوفان الأقصى” في غمرة انتصاراتها. لكن بالمقابل فإن ما يجرى الآن وعبر قراءة التاريخ ومعادلاته التي تجعله “يعيد نفسه” ليس بجديد، فأي ظاهرة استعمارية لا بدّ أن تقابل بالمقاومة كرد فعل وقانون طبيعي. صحيح أن ردّ الفعل المقاوم يبدأ متواضعاً وضعيفاً، وهذا ما يذكرنا بتجربة الجزائر، حيث بدأت مقاومتها للاستعمار الفرنسي بعشرات المجاهدين الممتلكين لعتاد بسيط، ولكنها في غضون ثمان سنوات نجحت في إخضاع المستعمر لمطالبها، وأجبرته على الانسحاب بعد اعتباره للجزائر “أرضاً فرنسية”.
إذاً فالإيمان بالقضية الوطنية وما يرافقه من قوة دعم الحاضنة الشعبية وربما حتى الدعم من القوى الشقيقة والصديقة، سيسهم في تصحيح ميزان القوى لصالح حركة المقاومة ضد “الجيش النظامي” الغازي المحتل واستخباراته وتقنياته المتفوقة، شيئاً فشيئاً مهما طال الزمن، وصولاً إلى هذه اللحظة “طوفان الأقصى”، والتي نعود للقول، “إنها ليست مفاجأة”، ولا بدّ لهذا الاحتلال أن يغير سلوكه ويسلم بقوة إرادة الشعب الفلسطيني.
بعد جولات عديدة مرّت بمراحل منها ثورة البراق عام 1928، وثورة 1936، والمقاومة المسلحة عام 1965، وجولات عديدة أخرى وصلت فصائل المقاومة الفلسطينية إلى الحلقة الأقوى، لكن لماذا الآن تحديداً؟. الجواب ببساطة لأن القضية الفلسطينية مرّت الآن بأخطر المراحل، فأولها وصول حكومة هي الأكثر تطرفاً إلى سلطة العدو، حيث اضطر رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو للإتيان بها للتخلّص من فضائح فساده، واحتوت على وزراء لا مثيل بقذارتهم، وعلى رأسهم سموت رتش، الذي صرّح عن نيته بإحراق “حوارة”، ناهيك عن استخفاف هؤلاء المتطرفين بالحقوق الفلسطينية.
أما الأمر الأخطر فهو انصراف تلك الحكومة المتطرّفة إلى التفكير في “كيف نخرج التطبيع مع بعض العرب. وكيف ننهي قاعدة الأرض مقابل السلام”، وذلك بعد مضي ثلاثون عاماً على اتفاقية أوسلو دون قطف أي ثمار منها. أي أنه تمت إماتة المسار الدبلوماسي والذي كان من المفترض أنه تم تأطيره ضمنها. فـ نتنياهو طرح الأمر بكل وقاحة قائلاً: “لا حديث عن دولتين ومفاوضات، وإنما الحديث كله عن السلام مع العرب”. وكأن القضية الفلسطينية بالنسبة له نسيٌ منسي، وهذا ما عزز قناعة المقاومة الفلسطينية في أن قضيتهم بدأت تسير نحو مسار النسيان في غياهب المسارات السياسية المعطلة والوهمية.
كذلك يثور تساؤل هام هنا هو كيف أقدمت المقاومة على عمل كبير، مع قناعتها بأن الرد الصهيوني سيكون ضخماً؟ إن الجواب هنا لأنهم أصحاب قضية وطنية، ومقتنعون بأن التنازلات والسلمية لن تقدم لهم حلولاً.
إن أهم ما يمكن الحديث عنه اليوم هو أن المشهد وحّد الجبهة الداخلية للمقاومة الفلسطينية، كما أسهم في تحطيم الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي لن تعيش بعد هذا الحدث، كما أن المقاومة والقضية لن تنتهيا أو يتم استئصالهما في ظلّ وجود 14 مليون فلسطيني في داخل وخارج الأرض المحتلة مهما ارتكبت “إسرائيل” من أفعال، فزمن “إبادة الهنود الحمر قد ولّى إلى غير رجعة”.