أصوات نشاز تثبت أن الولايات المتحدة عدوة للسلام العالمي
عناية ناصر
منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”، لم يكن هناك أصوات في واشنطن تطالب بضبط النفس أو وقف إطلاق النار، بل كانت تلك الأصوات تحريضية ومتهورة ومجنونة، حيث غرّد غوردون تشانغ، المشهور بـ”نظرية انهيار الصين” بالقول: “إن الأمريكيين والصينيين يستعدون لشنّ هجمات على بلادنا من قبل عملاء موجودين بالفعل. وما يحدث الآن في “إسرائيل” يمكن أن يتكرّر هنا، وربما قريباً”. كما رفعت نيكي هالي، المرشحة لمنصب الرئاسة، صوتها قائلةً: “هذا ليس مجرد هجوم على “إسرائيل”، بل كان هجوماً على أمريكا.. اقضِ عليهم يا نتنياهو”.
إن تشانغ يحرج نفسه مرة أخرى حين يقول إن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي يشير إلى هجوم وشيك على الولايات المتحدة من قبل الصين، وإن دلّ ذلك على شيء فإنه يدلّ على جهله بشؤون الشرق الأوسط والعلاقات الصينية الأمريكية، ومن غير الواقعي التوقع منه إجراء أي تحليل بناء، لأنه يستغل كلّ قضية محتملة فقط للتحدث عن الصين، والترويج لنظريته المناهضة للصين، دون أي منطق. حتى اعتبار كلامه على أنه “مثير للضحك” لا تصف بشكل كافٍ افتقاره إلى الذكاء.
من ناحية أخرى، ربما لم تعتقد هيلي أبداً أنها ستصبح في يوم من الأيام في حالة هستيرية وذهانية مثل تشانغ. إن خطابها “اقضوا عليهم” يقترب من الدعوة إلى الإبادة الجماعية، وهي تجسّد مثالاً حياً على نوعية الأشخاص الذين يديرون عجلة أجهزة الإدارة في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من عملها كمبعوثة أمريكية سابقة لدى الأمم المتحدة، لم تظهر هيلي أي اهتمام بالسلام، بل كانت متحمّسة فقط لتأجيج الصراعات وتأييد العنف. وفي هذا السياق قال سونغ تشونغ بينغ، الخبير العسكري الصيني والمعلق التلفزيوني، إنه إذا أصبح شخص مثل هيلي رئيساً للولايات المتحدة، فسيؤدي ذلك بلا شك إلى كارثة على البلاد والعالم.
من الصعوبة بمكان فهم الخطاب المتطرف لـ هيلي وأمثالها، الذين يبدو أنهم يقولون لناخبيهم إن التصويت لهم يعادل التصويت لمزيد من الصراعات، واستمرار خلق بحور من الدماء البشرية في أجزاء أخرى من العالم. ومن الصعب بالقدر نفسه إدراك لماذا لا يزال أشخاص مثل تشانغ، الذي يتمتّع بسجل يزيد عن عشرين عاماً من الأفكار الخاطئة بشأن الصين يحصلون على أموالهم من مؤسسات الفكر والرأي التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، والغريب أنه أصبح عضواً في الفريق الاستشاري لحاكم فلوريدا، المرشح الآخر للرئاسة رون ديسانتيس.
وبينما تؤكد الصين على الحلّ، وعلى وجه التحديد “حل الدولتين”، ترسل الولايات المتحدة مجموعة حاملة طائرات ضاربة إلى البحر الأبيض المتوسط لتكون المشجع الكبير لـ”إسرائيل”، وتستغل الصراع من خلال نشر خطاب غريب، كما لو أنه لا توجد طريقة أسرع لتحقيق السلام بدلاً من إلقاء خطابات تحريضية ومستعرة مثل “اقضوا عليهم” أو التلميح إلى مواجهة عملاقة بين الصين والولايات المتحدة.
في حالة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن ما هو مطلوب حقاً هو أبعد ما يكون عن قيام عدد قليل من السياسيين بتقديم استعراض، أو ما يُسمّى بالاهتمام الإنساني الذي يأتي جنباً إلى جنب مع رواية طفولية تكون فيها كل الفضيلة في جانب وكل الشر في الجانب الآخر. فلا توفير الأسلحة ولا إرسال مجموعة حاملات طائرات يمكن أن يجلب السلام إلى المنطقة، ناهيك عن التلاعب بالرأي العام. ولا تستطيع بعض “النخب” السياسية الأمريكية مقاومة الرغبة في سرقة الأضواء في كلّ قضية ساخنة محتملة من خلال تصعيد التوترات، فبالنسبة لهم، يعتبر تأييد “إسرائيل” أمراً صحيحاً سياسياً في الولايات المتحدة، فما الخطأ الذي يمكن أن يحدث في ترسيخ الصواب السياسي، حتى لو كانت الأصوات مبالغاً فيها، وتخلط بين الحقائق، بل وحتى تبدو بعيدة عن العقل؟ يمكنهم على الأقل جذب المزيد من الاهتمام، والذي يعتقدون أنه يمكن أن يجلب المزيد من الأصوات.
من المحبط أن نرى مثل هؤلاء السياسيين والمستشارين السياسيين في واشنطن، والذين يطوّرون حياتهم المهنية على حساب الآخرين واستغلالهم ويحوّلون الولايات المتحدة إلى عدو للسلام العالمي.