“اللمحات”.. مغامرة على حدود الخطر
احتفى اتّحاد الكتّاب العرب -فرع دمشق- بديوان الشاعر صقر عليشي “اللمحات” من خلال ندوة أقامها مؤخراً بحضور الشاعر عليشي ومشاركة الأديبة ميرفت علي، وبدأت الندوة بكلمة ترحيبية للدكتور إبراهيم زعرور رئيس فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب، تحدث فيها عن صداقته القوية مع الشاعر صقر عليشي، في حين بيّن عليشي في تصريحه لـ”البعث” أن لهذا الديوان خصوصية في تجربته لأنه يختلف عن المجموعات التي سبقته من حيث موضوعاته وطريقة تناولها، وهو يشكل نشيداً واحداً يتغنّى بالحياة ويمجدها ويحاول لمس ما هو جوهري فيها، سابراً أغوار النفس البشرية ومكنوناتها، مؤكداً أن أهمية هذه المجموعة تكمن في محاولتها نفض الترهل والرتابة عن كاهل القصيدة وإظهار تفردها في قراءة الأشياء والنظر إليها وتعدّد الدلالات مع البساطة والابتعاد عن الإغراق في الذهنية، دون أن ينفي أنها مغامرة على حدود الخطر، مشيراً إلى أنه كان حريصاً فيه على الابتعاد عن التكرار وقول ما قيل.
مجاراة الشعراء القدماء
وتناولت الأديبة ميرفت علي في مداخلتها خصائص الأسلوب الشعري للشاعر عليشي، ورأت أنها ميّزت ديوان “اللمحات” عن غيره من دواوين الشاعر صقر عليشي، مع إشارتها إلى أن هناك سمات عامة ومشتركة بين مجموعاته الشعرية كافة، متوقفة بالشرح عند كلّ سمة، مع إبراز الشواهد الشعرية الداعمة، مبينة أن هناك بساطة في لغة الشعر وانسيابية وعفوية في التعبير، وقد أثبتَ الشاعر إلى جانب ذلك قدرته على مجاراة الشعراء القدماء في تطعيم اللغة الشعرية لديه -رغم بساطتها- بألفاظ قوية وبليغة مستمدة من لغة الخطاب القرآني ولغة الشعر العربي القديم، مشيرة إلى اعتماد الشاعر أسلوب التقطيع الصوتي ليجد القارئ الراحة في القراءة وفي الاستماع على المنبر، أما الانزياح اللغوي اللفظي والتركيبي والاستدلالي في الديوان فقد كان سمة فنية بارزة في الديوان –برأي علي- وهذا ما جعل التراكيب تغدو مشرقة وموحية ومعبّرة بشكل فني عن أغراض الشعر عند الشاعر في التحكم بأدواته الفنية، ليأتي أسلوب الاستفهام الاستنكاري فيه دعوة من الكاتب إلى قارئه للمشاركة في الخطاب الشعري وتبديد الرتابة وتوقيد الذهن كما في قوله:
“لو استمع المتنبي لما قلت له/ وخلَّى مع الخَود أيامه/ وأوسع في شعره/ أما كان أجدى لنا وله؟/ ترى ما الذي ردّه؟”.
خواتيم مدهشة
وأوضحت ميرفت علي أن الحديث عن الموسيقا الداخلية والخارجية والجمالية والإيقاع الجميل في نصوص “اللمحات” يمكن أن يكون مستفيضاً، حيث يتميّز الديوان بالعناية بالتكثيف الصياغي والاهتمام بالبلاغة والجرأة في طرح الأفكار وتنويعها من خلال روح الدعابة التي اعتمدها عليشي في توصيف علاقته مع الأدباء العرب الأوائل، حيث عمدَ الشاعر إلى إسداء النصح لهم وعاتبهم على أنماط حياتهم التي أعاقت وصولهم إلى غاياتهم في الحياة، ومنهم المتنبي على سبيل المثال، كما لاحظت علي عناية الشاعر بالأفكار المستبعدة والمنسية والهامشية ومنحها حق الظهور والعوم على سطح الإدراك مثل: الغبار، الباب، الدروب، الشمعة، الحنين، وغيرها الكثير مما لم يتطرّق إليه الشعراء، ولفتت علي الانتباه إلى عناية الشاعر بخواتيم أشعاره التي جاءت مدهشة في بعض الفقرات وفي نهايات بعض القصائد، وعمر أبو ريشة واحد من الشعراء الذين أجادوا هذا الأسلوب في قلب المعاني والدلالات إلى نقائضها، وترك المعنى موارباً، إضافة إلى رقة الإحساس، ورأت علي أن رهافة المشاعر عند الشاعر عليشي والتلطف في استحضار الأسطورة والتراث ومنجزات العلم والفلسفة كانت مزايا بارزة دخلت دخولاً موفقاً في حرير القصيدة لديه، وأشارت إلى سموه وثقافته وحسن استخدامها في النص، وخلصت إلى الاستنتاج أن السمة الذهنية وطرح الأفكار الوجودية كانت من سمات النص الشعري في ديوان “اللمحات”، واعتبرت علي أن عليشي هو شاعر المعنى في المقام الأول، وثقافته وشعره يثيران الإلهام.
سمو التجربة
وأجمع الحضور في نهاية الندوة على سمو وتكامل ونضج تجربة الشاعر صقر عليشي ووقفوا عند سماتها وسمات صاحبها بكلّ حب واحترام له كإنسان وكشاعر، وأبرزوا أهمية الشعر الحداثي الهام الذي قدّمه للقارئ، وطرحوا بعض الاستفسارات حول الديوان والأعمال القادمة للشاعر، كما قدَّم الشاعر عليشي باقة من قصائده الجميلة، منها: لمحة بانورامية، لمحة مع المعري، لمحات في الشعر، لمحة عن الغبار، لمحة عن الشمعة.. واختتمت الندوة بتوقيع نسخ ديوان “اللمحات” الصادر عن اتحاد الكتاب العرب.
يُذكر أن صقر عليشي شاعر وناشر من مواليد 1957 وهو من أبرز شعراء جيل الثمانينيات، عضو اتحاد الكتّاب العرب، مؤسّس دار الينابيع للطباعة والنشر والتوزيع، وتناولت تجربته الشعرية دراسات وأبحاثاً وأطروحات أكاديمية، صدر له “في عينيكِ ضعت- قصائد مشرفة على السهل- الأسرار- قليل من الوجد- أعالي الحنين- عناقيد الحكمة- أحاول هذا الكلام الوثير- معنى على التل- أسطورة فينيقية”، وجُمِعَ أغلب نتاجه في إصدار “الأعمال الشعرية” عام 2008، كرّمته وزارة الثقافة وهيئات محلية وعربية.
أمينة عباس