نمرٌ من ورق
ربما يكون أهم ما كشفته عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في غزة، الفشل الاستخباري والأمني الذريع الذي مُني به الكيان الصهيوني الذي يتبجّح دائماً بأنه قادر على إجهاض أيّ عملية أمنية قبل وقوعها.
والحقيقة أن التخطيط الدقيق لهذه العملية وسرعة التنفيذ التي حظيت بها أوقع الكيان الصهيوني وحكومته في حالة من التخبّط والهلع الشديدين، ليس لأنها لم تكن تملك بالفعل معلوماتٍ عن هذه العملية، وإنما لأن حكومة الكيان أصيبت بالذهول من التطوّر الكبير في أداء المقاومة التي تمكّنت من الوصول إلى الأراضي المحتلة عام 1948 برّاً وبحراً وجوّاً، ودخلت إلى ست مستوطنات على الأقل، ودمّرت مواقع عسكرية، بل تمكّنت في زمن قياسي من أسر قادة عسكريين كبار في قوات الاحتلال، كما أنها أظهرت حجم السخط لدى المستوطنين في الجنوب من عجز حكومتهم عن حمايتهم أو الاستجابة لنجدتهم في وقت قصير، حيث كانت عملية طوفان الأقصى عملية خاطفة بجميع المقاييس وحقّقت أهدافها المرجوّة منها، في تمريغ أنف قادة الاحتلال بالتراب وإجبار العالم كله على الاستماع أو الالتفات إلى مطالب الشعب الفلسطيني المشروعة في الاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وفي كل الأحوال، لم يفطن العدو الإسرائيلي من حجم الصدمة التي أصيب بها على وقع العملية المزلزلة إلى محاولة الإشارة إلى أنه كان يمتلك معلوماتٍ عن شيء معيّن يتم تحضيره في غزة، حيث أقرّ في البداية بفشله الاستخباراتي والأمني في توقّع مثل هذه العملية.
وللسخرية المرة، ومع بروز كثير من الانتقادات لحكومة بنيامين نتنياهو المتطرّفة حول فشلها الاستخباراتي، ومع أن أطرافاً معيّنة اقترحت عليها أن تسرّب أخباراً حول رصد جيش الاحتلال لتحرّكات غريبة في القطاع قبيل انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، إلا أنه لا يمكن لأيّ مراقب أن ينفي حقيقة الفشل المدوي الذي ضرب مختلف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بل وحالة الشلل التي أصابت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نفسها، ليس في محيط غزة وحسب، وإنما على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بحيث ظهر جنود الاحتلال مثل دمى رخوة، لا حول لها ولا قوة بين أيي المقاومين الأبطال الذين كانوا ينتشلونهم كالخرق من دباباتهم!!
وإن أية عملية دعائية وتضليلية لن تستطيع بعد الآن أن ترمّم صورة الاستخبارات العسكرية الصهيونية، ولا صورة جنود الاحتلال، التي تمزّقت وتمرغت بالجبن والعار، بل ستكرس اعترافاً ضمنيّاً بأن المقاومة تدرك قبل غيرها أنها إنما تتعامل مع نمر من ورق.
وفي جميع الأحوال يدرك المراقب لطبيعة تعاطي الكيان مع الصدمة أنه عاجز بالفعل عن مواجهة الشعب الفلسطيني وجهاً لوجه، حيث لا يزال إلى الآن يعمل على قصف الأماكن المدنية في غزة في محاولة للضغط على المقاومة الباسلة التي لم يتمكّن إلى الآن من مواجهة صواريخها أو إيقاف تسلل عناصرها إلى “مستوطنات الغلاف” باعتراف كبار قادته.
طلال ياسر الزعبي