دراساتصحيفة البعث

أوكرانيا في عاصفة البيت الأبيض السياسية

ريا خوري

واصلت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأوروبية دعمها اللا محدود لأوكرانيا، وكانت قد زوّدت كييف بمساعدات عسكرية متنوعة وبكميات كبيرة، مع دخول الحرب في أوكرانيا يومها الــ 500 .

كانت الولايات المتحدة الأمريكية الشريك العسكري الأقوى لأوكرانيا منذ بداية الحرب، إذ زوّدتها بأسلحة ومعدات أكثر من جميع العواصم الأخرى مجتمعة، ودفعت بضغوطها المكثفة على الدول الغربية لتقديم الدعم المالي والعسكري واللوجستي لأوكرانيا. وتظهر أحدث أرقام وزارة الخارجية الأميركية أن إجمالي قيمة ما قدمته الولايات المتحدة الأمريكية من مساعدات العسكرية لأوكرانيا، في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، تجاوز 42 مليار دولار، بينها أكثر من 41.3 مليار دولار منذ بداية الحرب الساخنة حتى الآن .

لكنّ البيت الأبيض دقّ ناقوس الخطر، وأعلن أن الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا مهدَّد بالتوقف خلال شهرين من الآن، هذا الإنذار مؤشر واضح وصريح على تحوّل حاسم في الحرب الدائرة في أوكرانيا، ومن المؤكّد أنه يمثل نذير شؤم لأوكرانيا وقيادتها وإحباطاً واسع النطاق لأوروبا بشكلٍ عام والاتحاد الأوروبي بشكلٍ خاص التي ألقت بكل بيضها في السلة الأمريكية لمعاداة جمهورية روسيا الاتحادية، ومحاولة إلحاق الهزيمة بها وتكبيدها خسائر فادحة لغايات أوسع من الجغرافيا الأوكرانية.

جاء الإعلان قبل دقائق من إطاحة مجلس النواب رئيسه الجمهوري كيفن مكارثي، حيث صوَّت أعضاء مجلس النواب الأمريكي بالأغلبية على عزله  من منصبه، في خطوةٍ هي الأولى من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بعد تصويت 316 لصالح حجب الثقة مقابل 210 معارض بشأن الموازنة الأمريكية، التي تتضمن تمديد التمويل الفيدرالي حتى السابع عشر من تشرين الثاني لتجنب الإغلاق الحكومي، وهو اتفاق يتضمن تمويلات مالية ضخمة لأوكرانيا.

وبعد عملية العزل لـ كيفن مكارثي، التي أحدثت زلزالاً سياسياً هائلاً غير مسبوق في الولايات المتحدة الأمريكية، سيبقي مصير دعم أوكرانيا معلقاً تتقاذفه الانقسامات الحزبية الحادة في الكونغرس بين الحزب الجمهوري والديمقراطيين. وإذا كان انتخاب كيفن مكارثي قد جاء بعد خمسة عشر جولة انتخابية بداية هذا العام 2023، فإن التوافق على من سيخلفه ستواجهها صعوبات جمة ومعقدة، إلا إذا تم إبرام صفقة خاصة بعيداً عن الأضواء.

لقد أرخت تلك القضية بظلالها على بنية النظام السياسي في الولايات المتحدة، وهي تعبير عن أزمة غير مسبوقة تعيش فيها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ستكون نموذجاً لأزمات أعمق وتمزقاً وتشتتاً حزبياً وسياسياً لم تعرفها هذه القوة العظمى منذ تأسيسها قبل أكثر من قرنين من الزمن. فمنذ أقل من شهر فتح  رئيس  مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي تحقيقاً لمحاولة عزل الرئيس الأمريكي جو بايدن من منصبه، لكن المفارقة أنَّه هو من تعرض للعزل والإقالة. وبسبب تشابك الأوضاع الداخلية الأمريكية وتعقيدها مع القضايا العالمية الكبرى، فإن ارتدادات الهزات في الولايات المتحدة الأمريكية تمتد إلى مختلف المناطق، وبخاصة الأزمة الأوكرانية التي كانت منذ بدايتها قضية أمريكية بالدرجة الأولى، بغض النظر عن الشعارات الرنانة المتداولة حول (سيادة الدول) وضرورة التصدي للغزاة وسلامة أراضي البلاد.

تلك الأزمة العميقة التي عاشتها وتعيشها الولايات المتحدة وغيرها ستنعكس بشكلٍ أو بآخر سلباً على أوكرانيا، وستتطابق مع الخطة الروسية الرامية إلى إرهاق الغرب واستنزافه وخلق مشكلات كبيرة داخله بسبب طول الحرب والاستنزاف الهائل للموارد  المادية المالية والعسكرية والسياسية دون تحقيق أي إنجاز ميداني يمكن أن يقنع الرأي العام في الولايات المتحدة  الأمريكية وأوروبا بوجاهة تلك السياسات  التي تم وصفها بالعدوانية الفاشلة التي يبدو أنها تتجه إلى الهزيمة المحققة، وإحداث أزمة بنيوية  حادة لدى أغلب الحكومات الغربية المنخرطة في الحرب بالدعم الكبير والتحريض  المستمر وإذكاء الانقسام العالمي.

لقد تعاقبت  التصريحات الروسية من أعلى المستويات التي تصف السياسة الغربية الأمريكية – الأوروبية الرعناء بأنها سياسات فاشلة وعائمة وغير قادرة على التوافق على موقف موحد. ومثلما يؤخذ هذا الموقف على أنه تحذير  واضح وصريح، يمكن اعتباره أيضاً ضغطاً سياسياً مؤكداً يفاقم التوترات  والهزات المتتالية داخل الدول الداعمة لأوكرانيا، بخاصة أنَّ كل الأسلحة المتطورة  والعمليات اللوجستية الفائقة القدرة ومئات المليارات التي تم تقديمها لأوكرانيا لم تؤدّ إلى إحداث أي اختراق سياسي أو عسكري ، بل إن روسيا الاتحادية بدأت تكسب هذه الحرب بشكلٍ كاسح، وإن انقطاع الدعم الأمريكي  وما يليه من انقطاعات من بقية الدول الغربية سيسمح لها بتوجيه ضربة قاضية. وهذا ما تشير إليه بعض الدراسات الإستراتيجية والتقارير الاستخبارية الموثقة والمدعمة بالشواهد إلى أن روسيا ربما تعد لهجوم عسكري واسع النطاق على أوكرانيا كلها، وهذا ما سيسمح بوضع حد لهذه الحرب ومعرفة من حقق النصر، ومن لحقت به هزيمة إستراتيجية، وهي نتيجة مؤكدة يثبتها ما يجري على الأرض من انتصارات باهرة للجيش الروسي .