دراساتصحيفة البعث

مأساة السودانيين بعيدة عن وسائل الإعلام الغربية

هيفاء علي

خلفت ثلاثة أشهر من القتال في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع ما لا يقل عن 3000 قتيل و6000 جريح، ونزوح أكثر من مليوني شخص داخل البلاد، بينما فر 700 ألف آخرون إلى البلدان المجاورة. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن ثلثي المعدات الصحية في العاصمة الخرطوم ومناطق القتال الأخرى أصبحت الآن خارج الخدمة، كما أن الجثث تتحلل سواء في شوارع العاصمة أو في بلدات وقرى إقليم دارفور.

ووفقاً لزعماء القبائل غير العربية، شاركت قوات الدعم السريع والميليشيات الموالية المحلية لها في عمليات قتل جماعي، ونهب وحرق المنازل والمستشفيات في منطقة دارفور. وبحسب المعلومات الصادرة عن الأمم المتحدة، يحتاج نصف سكان البلاد الآن إلى مساعدات إنسانية، وهو رقم قياسي يبلغ 25 مليون شخص، والأسوأ من ذلك أن نصفهم من الأطفال، وكثير منهم بحاجة بالفعل إلى المساعدة قبل اندلاع الحرب، بالإضافة إلى أن الانحباس الحراري العالمي لن يؤدي إلا إلى تفاقم محنتهم.  ومن بين الدول الـ 185 المشاركة في مبادرة نوتردام للتكيف العالمي، يعتبر السودان سادس أكثر الدول عرضة لتغير المنا، اذ تشير التوقعات إلى أن موجات الحر والجفاف والفيضانات ستصبح أكثر تواتراً وشدة مع ارتفاع حرارة الغلاف الجوي فوق السودان، وفي هذا الصيف، التقت الحرب والطقس بطريقة مميتة، ومع سماء صافية، وتعطل خدمات المياه والكهرباء إلى حد كبير، ووصول درجات الحرارة اليومية إلى قيم تتراوح بين 42 إلى 43 درجة مئوية في العاصمة، فإن البؤس يتزايد ويتفاقم.  وفي الوقت نفسه، فإن موسم الأمطار الغزيرة على وشك أن يبدأ في إقليم دارفور وعلى طول الحدود مع شرق تشاد، حيث يعيش ربع مليون لاجئ سوداني في خيام مؤقتة مصنوعة من قصاصات الخشب وأي مواد يمكنهم العثور عليها، مما يعني أنهم غير محميين من الأمطار الغزيرة.

ولكن هذه المأساة لا تراها أعين وسائل الاعلام الغربية التي تعج تقاريرها ونشرات أخبارها اليومية بأخبار عن أوكرانيا ومعاناة النازحين الأوكرانيين على مدى 16 شهراً من الحرب في أوكرانيا.

هناك أيضاً اختلاف كبير بين ردود فعل واشنطن على كل من هذه الحروب، فقبل اندلاع القتال في السودان، كان عدد المستفيدين من المساعدات الإنسانية أقل بنحو 30% من المساعدات التي تقدمها لأوكرانيا، حتى المساعدات العسكرية التي تقدمها للسودان أقل من تلك التي تقدمها لأوكرانيا التي أضيفت إليها مؤخراً القنابل العنقودية المحرمة دولياً. وبعبارة أخرى، حصلت أوكرانيا في العام الماضي على مساعدات إنسانية أكثر بنسبة 13% من السودان، والولايات المتحدة ليست الوحيدة، العالم كله يتراخى في الاستجابة للمأساة الإنسانية في السودان.

قبل أربع سنوات، أطاحت انتفاضة شعبية بـ عمر البشير، وتم تشكيل مجلس سيادي للتفاوض بشأن الانتقال إلى الديمقراطية، ولكن عملية الانتقال تمت بقيادة ضباط عسكريين، بما في ذلك الرجلان اللذان يقودان القوات المنخرطة الآن في المعركة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، والفريق محمد حمدان، الذي يقود المجموعة شبه العسكرية لقوات الدعم السريع. وبعد عامين من عرقلة عمل مجلس السيادة، انضم هذا الثنائي الغريب إلى قوات انقلاب تشرين الاول 2021 وسيطرا على السودان.

إن اللامبالاة العامة من جانب الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغنية تجاه الشعب السوداني تتناقض بشكل صارخ مع الاهتمام الجيوسياسي المكثف الذي تبديه بعض القوى الإقليمية في السودان بسبب الأهمية الاستراتيجية لساحل البحر الأحمر، وثروته من الموارد المعدنية وإمكاناته في مجال السياحة والإنتاج الزراعي.

بعد أقل من ثلاثة أسابيع من بدء الصراع في السودان، أشارت الصحفية نيرة حق، إلى أن السودان، الذي كان يعتبر ذات يوم دولة بعيدة، أصبح الآن قطعة حيوية من اللغز في عصر المنافسة بين القوى العظمى بين الاقتصادات العالمية.  ومع استمرار ضبابية الحدود بسبب التكنولوجيا وتغير المناخ، أصبحت الهجرة القسرية شائعة بشكل متزايد: حيث يفر الملايين شمالاً من أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة، ومن الشرق الأوسط إلى أوروبا، والآن عبر شرق أفريقيا. ولكن نفس الدول الحريصة على استخراج النفط والمعادن من أفريقيا تسارع إلى إغلاق أبوابها، وتبحث فقط عن مصالحها الخاصة بينما ينزلق السودان إلى الفوضى.

وبالفعل فإن السودان غني بالموارد المعدنية المتوفرة مثل الألومنيوم والكروم والكوبالت والحديد والمنغنيز والنيكل والأتربة النادرة والفضة والزنك. كل هذه الأمور مهمة لصناعة الطاقة المتجددة والبطاريات العالمية، لكن المصدر الأعظم لثروة السودان يكمن في رواسب الذهب، وهذا هو السبب في توجه الأطماع الغربية التي لا تتوقف إلى السودان.

منذ نيسان الماضي، تم انتهاك ما لا يقل عن عشرة اتفاقات لوقف إطلاق النار بين الجيش قوات الدعم السريع. وفي منتصف تموز الماضي، اجتمع زعماء الدول الست المتاخمة للسودان لوضع “خطة عمل تنفيذية لتحقيق حل شامل للأزمة السودانية”، ومع ذلك، لم تظهر مثل هذه الخطة حتى الآن. ونظراً لموارد السودان ومركزيته الجغرافية، فإن مجموعة من الدول الأكثر ثراءً وقوة تريد الحصول على حصتها من السودان، ولكن أياً من هذه الخطط لا تأخذ في الاعتبار ضحايا الحرب، وما يزيد الطين بلة أن تغير المناخ في هذه الحرب سوف يشكل عاملاً مضاعفاً للتهديد. والأسوأ من ذلك، ما دامت وسائل الإعلام الغربية ترفض رؤية الصراع السوداني، وترفض أن تنظر إلى السودانيين على أنهم يستحقون التقارير المفصلة، ​​فإن حقائق الحرب الدائرة هناك سوف تظل محجوبة في مكان ما وراء الأفق.