مجلس فقد أسباب الوجود
علي اليوسف
لا يشغل بال الدولة السورية كثيراً رفض الجوقة الغربية وحلفاؤها في مجلس الأمن الدولي إدانة الاعتداء الإرهابي على الكلية الحربية في حمص، فسورية التي عانت من قسوة الحرب وتآمر الجميع عليها تعرف أن هذه الجوقة هي شريك في سفك دم السوريين. أما ما يشغلها حقاً أنه كان من اللياقة الدبلوماسية للأعضاء في منظمة الأمم المتحدة أن يصدروا – على الأقل – بياناً صحفياً يدين العمل الإرهابي الدموي، ويعرب عن التعازي لذوي الضحايا والمصابين. لكن ما دامت هذه اللياقة غائبة عن المنظمة الأممية، فهذا يعني بالنتيجة أن مجلس الأمن نفسه، الذي لم يصدر أيضاً أي رد فعل على الزلزال المدمر في السادس من شباط الماضي، يفتقد إلى أدنى أسباب وجوده المتعلقة بالدرجة الأولى في معالجة مسائل السلام والأمن الدوليين.
أي أن لا يحتاج أحد للاستفسار كثيراً عن أسباب تجاهل مجلس الأمن ما دام الاعتداء الإرهابي على الكلية الحربية ما كان ليحصل لولا أوامر وتوجيهات “الترويكا”، وغيرها من الدول الغربية، التي لا تزال تقدم الدعم والتمويل للإرهابيين الموجودين على الأراضي السورية، وتشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المواطنين السوريين. وأن تجاهل مجلس الأمن يعني بالضرورة التنسيق – كي لا نقول خضوع أو أداة – مع الدول الراعية للإرهاب خاصةً أن هناك أسبقيات تدلل على هذا التواطؤ إذ أن كل التقارير الصادرة عن اللجان والفرق المتخصصة تؤكد جميعها أن المجموعات المدرجة على قوائم مجلس الأمن ككيانات إرهابية تمكنت من امتلاك أسلحة متطورة، ومنظومات جوية استخدمها الإرهابيون في مناسبات متعددة بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، رغم أن الأمانة الفنية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية أقرت، في مذكرة لها صدرت في الـ 27 من أيلول الماضي بأن سورية زودتها بأكثر من 200 رسالة عن محاولات الإرهابيين استخدام مواد متفجرة بحق المواطنين وعناصر الجيش العربي السوري.
إذاً ما يفهم من عدم إدانة مجلس الأمن لاعتداء حمص أن الولايات المتحدة كشرت عن أنيابها ومن خلفها الأدوات المحلية والدولية، والسبب الرئيس هي المستجدات التي شهدها ملف الأزمة السورية بعد أعوام من الجمود في خريطة التفاعلات الدولية والإقليمية، وبعد إعادة الدولة السورية إنتاج نفسها باعتبارها الطرف الأقوى في معادلة الحرب على الإرهابيين، والاندماج في التفاعلات الإقليمية عبر بوابة عودة العلاقات العربية السورية، واستعادة دمشق لمقعدها في الجامعة العربية.
وسط تلك المعطيات أتت حادثة استهداف حفل تخرج ضباط الكلية الحربية لتحمل العديد من الدلالات غير المنفصلة عن مجمل تطورات المشهد السوري، لاسيما من حيث التوقيت والأهداف، والتي تشير جميعها إلى إعادة الصراع إلى ملف الأزمة السورية مجدداً بعد هدوء نسبي استمر ثلاثة أعوام، وإحداث خرق في معادلة التهدئة التي كانت سائدة بين القوى الدولية والإقليمية المعنية بالصراع السوري. لذلك إن أكثر ما يتطلب من الدولة السورية حالياً هو التغيير في التكتيك والإستراتيجية حتى إشعار آخر، خاصةً إذا ما أخذنا في الاعتبار المؤشرات التي ستفضي إليها تطورات عملية “طوفان الأقصى” والسعار الأمريكي- الأوروبي تجاه المنطقة برمتها.