المايسترو التونسي فادي بن عثمان يحيي شهداء سورية وفلسطين من دار الأوبرا
ملده شويكاني
حيّا المايسترو التونسي فادي بن عثمان مدير قطب الموسيقا والأوبرا في مسرح أوبرا تونس جمهور الأوبرا بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الكلية الحربية في سورية وشهداء فلسطين في غزة، الأحداث الأليمة التي تزامنت مع زيارته الثانية لسورية التي ينتمي إليها كون والدته سورية، فتأجلت إقامة أمسيته إلى قبيل سفره بساعات قليلة تضامناً مع الأحداث، ليقود الفرقة السيمفونية الوطنية السورية للمرة الثانية ويتعاون مع الموسيقيين السوريين في أمسية متكاملة من حيث الوحدة الموضوعية. إذ ارتأى بن عثمان أن تخصّص الأمسية الكلاسيكية لأعمال موزارت، وقد اختار أنماطاً موسيقية مختلفة من مؤلفاته العظيمة بين الكونشيرتو والأوبريت والسيمفونية، بمشاركة عازف الكلارينيت التونسي يوسف المسعودي المدير الفني للأوركسترا السيمفوني التونسي، الذي رافق المايسترو بن عثمان ليأخذ دوره الرئيسي في القسم الأول من الأمسية بمشاركة الفرقة بالعزف على الكلارينيت.
دور الكلارينيت
والملفت أن دور الكلارينيت لم يقتصر على الكونشيرتو، إذ استمر دورها في بقية المقطوعات وفي مواضع أساسية بعزف موسيقيي الفرقة، ما يشير إلى أهمية هذه الآلة في بعض مؤلفات موزارت.
ويعدّ موزارت المؤلف الأقرب إلى جمهور الأوبرا لما تتسم به موسيقاه من رقة المشاعر والحيوية والغنائية، إلا أن المقطوعات التي عُزفت لم تكن سهلة وتطلبت قدرة من الموسيقيين على التواصل مع المايسترو والأداء الجيد، الذي جعل جمهور الأوبرا يصفق مطوّلاً في نهاية الأمسية تكريماً للمايسترو التونسي فادي بن عثمان الذي برع بقيادة الفرقة وبتقاليد الأوبرا.
الكلارينيت والوتريات
بدأت الأمسية بـ كونشيرتو لآلة الكلارينيت والأوركسترا -سلم لا ماجور- مصنف رقم 622 – بمشاركة العازف يوسف المسعودي بحركة حيوية مع آلات النفخ الخشبية والهورن بشكل خاص، ومن ثم الحوارية بين الكلارينيت والوتريات بلحن رقيق جداً يعبّر عن النسيج الموسيقي المتمازج بينهم، تخللتها انتقالات بدرجة الصوت للوتريات إلى درجة خافتة في مواضع، ويأخذ الكلارينيت دوره ببدايات الجمل الموسيقية والمتابعة مع الوتريات، وفي الحركة البطيئة يتضح دور الكلارينيت أكثر مع دور أكبر للباصون والآلات الخشبية، بينما تأخذ الحركة الثالثة نمط الروندو- حركة حيوية بدور أكبر لآلات الفرقة بدور النحاسيات والخشبيات وخاصة الباصون والفلوت لتصل إلى القفلة بحركة واحدة للفرقة.
درامية الصراع
وإلى نمط آخر من أعمال موزارت بعزف الفرقة افتتاحية أوبرا “الاختطاف من السراي” التي ألّفها موزارت عام 1791 وتحوّلت إلى أعمال درامية، وتسرد حكاية الصراع من أجل الحب، من خلال اختطاف رجال الباشا سليم الجميلة كونستانزا وإحضارها إلى قصره، ومن ثم لحاق حبيبها بيلمونتي وتخليصها من الباشا، في الوقت الذي ترفض فيه كونستانزا مشاعر الباشا، فيدرك أن الانسحاب من هذا الحبّ الخاسر هو الأفضل ويسمح لهم بمغادرة القصر.
وعبّرت الفرقة عن هذه القصة الدرامية ببراعة بدور ضربات الطبل الكبير والتيمباني وبدور أكبر للنحاسيات مع الترومبيت والبوق، ودور الكلارينيت بعزف الموسيقيين السوريين مع الفرقة وكفاصل في مواضع صغيرة، وتمضي الألحان الدرامية مع تأثير الصنجات أيضاً، وصولاً إلى القفلة بعد تصاعد ضربات الطبل الكبير.
الغناء الأوبرالي
ومن ثم تنتقل الفرقة إلى مشهد أجمل بأداء تمثيلي تعبيري لمشهد من أوبرا “ايدومينييو” بأداء السوبرانو رشا أبو شكر، وبتعبيراتها الشائقة موظفة تقنيات الغناء الأوبرالي باللغة الإيطالية بصوتها وملامح وجهها وحركات جسدها ويديها بحكاية عاطفية تسرد بوح أنثى غاضبة مطعونة القلب تتألم من الغيرة، حينما ترى فتاة أخرى بين ذراعي حبيبها الذي تخلى عنها في احتفالية النصر، فتقرّر أن تضع حداً لأحزانها “ها هو سيف القدر يقترب ليضع حداً لآلامي”، ويترافق الغناء في مواضع مع الباصون والهورن وبتكثيف موسيقي في لحظات الغضب على وقع الطبل الكبير.
والختام كان مع النمط الموسيقي الأساسي سيمفونية رقم 34 -سلم دو ماجور–مصنف رقم 338- حركة حيوية ثم حركة معتدلة البطء إلى حركة حيوية.
ومن المتوقع أن تكون هذه الأمسية بداية لأمسيات قادمة تجمع بين المايسترو التونسي فادي بن عثمان والفرقة السيمفونية الوطنية السورية.