طيران الطُّوْفان اليقيني والحق الفلسطيني
غالية خوجة
تماوجت اللحظة المشعّة بأرواحهم المحلقة بالطوفان، فأزهرت السماء بأهلّة جديدة ونجوم جديدة، وطارت المظلات بعجلاتها الأرضية المتشبعة بتراب القضية، وتلاقت أرواح المحلقين الذهبية والفضية ليتزين المشهد ببطولة أبدية.
الوقت تجمّد مع اللحظة الأولى للطُوْفان، ولا يريد أن يتحرك إلاّ مع مشهد طوفاني آخر، تحمله المظلات والطائرات وبراءة الأطفال والأشجار إلى الجهة الوحيدة للنصر، تلك الجهة التي كانت فيها الشمس جبهة أخرى لحق الفلسطينيين في أرضهم، وحقهم في التخلص من جميع الأعداء.
ستظلّ تلك اللحظات مشتعلة في معاجم البطولات، ويسجلها التاريخ في سجلّه الخاص بالكرامة والحرية والدفاع عن الوطن ضد أي معتدٍ مهما ساندته الأطراف المعادية وامتلك من قوة ظلامية احتلالية، لأن اليقين بقوة الحق المنتصرة هو تلك الروح المنغرسة في تلك الأرواح الشهمة التي تدفعها دائماً إلى الدفاع والانتصار كما تدفع الشمس الأيام إلى بداياتها مع كلّ نهار.
في تلك اللحظة، تفاعلت قلوب الشعوب العربية والصديقة والمتماهية مع الحقيقة الأشبهَ بطيور الأبابيل بنبضة واحدة حالمة بالمزيد من الطوْفان المؤدي إلى تحرير فلسطين العربية والقدس عاصمتها الأبدية، وهذا ما أكدته تلك النبضة الموحّدة بالحق على أرض الواقع، وفي الفضاء الإلكتروني، فطارت مع دماء الفلسطينيين كباراً وصغاراً لتنبت الأزهار الأرجوانية من جديد، وتشرق العدالة الإلهية رغماً عن ظلمات وحصارات العالم الأرضي.
وبديهية الوحشية المعتمة التي لا تعرف ذرة من خردل من الإنسانية أن تزداد طغياناً وقصفاً على كل حق مضيء، ومنها غزة العزة بكل ما فيها من مخلوقات حيّة وأحياء مدنية تشظت مع ساكنيها، لكنّ الملفت أن إرادة العرب الفلسطينيين رغم أفعال الإبادة الصهيونية المتواصلة، تراهم بين ركام البيوت متفائلين، يغنون لأمهاتهم والوطن والصبر والنصر، ويقاومون بقوة ملائكية النيران الحاقدة الحالكة، فيتشبّث الطفل بجذوره أكثر، وتمسك الأم بجثة ابنها الشهيد أكثر، ويحمل الأب ابنه المصاب بالشظايا ويركض متجهاً نحو النور أكثر، بينما المرأة العجوز فتجلس مع دمائها وأنقاض بيتها مبتهلة إلى الله بملامح الإصرار الموقن بالله والنصر على أي احتلال مهما طال زمنه الأرضي.
ستظلّ سفينة الفينيق محلقة مع المظليين الأشاوس والجنود المستبسلين حتى النصر، وتظلّ الأجنحة الكنعانية النارية تقذف المحتلين جيلاً بعد جيل لتكتب نهاية المحتل القريبة، لكن، ماذا بعد الطوفان؟
هل ستتّحد الفصائل والقوى الفلسطينية في الداخل والخارج والشتات من أجل المعركة الأخيرة مع المحتل والانتصار عليه النصر الأخير؟
هل سيتّحد العرب للنزال الأخير، خصوصاً، بعدما هزمت سورية الجحيم العربي؟ واندلع الطوْفان الفلسطيني؟.
هل ستتّحد إرادة العالم من أجل إنسانية الشعب الفلسطيني وحقه الأزلي في أرضه وسمائها ووجوده وكينونته ووطنه وإنسانيته؟.
هل اتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود للزمان؟ أم ما تزال على قلوب أقفالها وطغياناتها وجبروتها، علماً بأن كل ذلك إلى زوال؟
أين جهات حقوق الإنسان مما يحدث للفلسطينيين في فلسطين؟ أين مجلس الأمن؟ أين الأمم المتحدة؟ أين القوانين الدولية التي لا تسمح بالذبح والقتل والتهجير الجماعي للمواطنين من وطنهم؟
والمستغرب المستحيل أن نتساءل: هل من الممكن أن يعتبر الاحتلال وداعميه الوطن ترانزيتاً لمواطنيه؟!
إذن، كيف يجرؤ الاحتلال الصهيوني على أن يكون الوطن الفلسطيني محطة “ترانزيت” للفلسطينيين، فيطلب من أهل غزة العزة إخلاءها؟ وكيف يجرؤ على كل حصاراته التي لا تُحصى لأبسط الحقوق من ماء ودواء وطعام وكهرباء؟ كيف يجرؤ على الإبادة أمام جميع العالم؟ أيها العالم، إذا ما زلت تمتلك نسبة من الأخلاق والحق، ما موقفك من هذا الإرهاب؟