مجلة البعث الأسبوعية

الوقائع على الأرض تفضح كذبها وإفلاسها.. واشنطن تتبجّح نستطيع دعم النظامين النازيين في أوكرانيا و”إسرائيل”

البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي

في الوقت الذي تحدّثت فيه مجموعة من التقارير عن أن حلف شمال الأطلسي “ناتو” يواجه موقفاً صعباً، وربما لا يملك الأموال والمعدات الكافية لدعم أوكرانيا و”إسرائيل” في آن معاً، تتبجّح الإدارة الأمريكية بقدرتها على دعم أوكرانيا و”إسرائيل” في الوقت نفسه، فضلاً عن قدرتها المزعومة على ضمان “الأمن الدولي”، وهذا طبعاً يتنافى بشكل واضح مع التقارير التي صدرت مؤخراً، وبعد انطلاق عملية المقاومة الفلسطينية في غزة “طوفان الأقصى”، حيث أفادت شبكة “سي إن إن”، في وقت سابق، نقلاً عن مسؤولين عسكريين أمريكيين بأن البنتاغون قلق إزاء إمكانية ظهور شحّ في الذخيرة نتيجة دعم واشنطن لأوكرانيا و”إسرائيل” في آن واحد.

وتشير التقارير إلى أنه في حال بدأت “إسرائيل” بعملية برية في قطاع غزة، فإن الطلب على قذائف المدفعية من عيار 155 ملم وغيرها من الذخيرة سيزداد، بينما تواجه الولايات المتحدة نفاد مخزوناتها بعد 18 شهراً من دعم أوكرانيا، وهذا بالضبط يؤكّد أن واشنطن جاءت بنفسها إلى البحر المتوسّط لأنها تدرك جيّداً أنها عاجزة عن إمداد الكيان الصهيوني بالسلاح لفترة طويلة، فهي تحاول الإيحاء بأنها بالفعل قادرة على ذلك، ولكن الأرقام تؤكّد عكس ذلك.

فمَن يراقب العدد الهائل من قذائف المدفعية الذي قدّمته الولايات المتحدة للنظام الأوكراني خلال العملية الروسية الخاصة المستمرة في أوكرانيا، وقيام واشنطن بتقديم أنواع أخرى من الذخيرة إلى كييف على خلفية النقص الهائل في السلاح التقليدي، يدرك جيّداً أن واشنطن بالفعل أفلست من جهة هذا النوع من السلاح، حيث لجأت بالفعل إلى تقديم القنابل العنقودية المحرّمة للنظام الأوكراني الذي استخدمها في استهداف الأراضي الروسية، وهذا بالضبط ما يقوم به الكيان الصهيوني الذي قصف كلّاً من غزة والجنوب اللبناني بهذا النوع من القذائف، وبالتالي من الواضح أن هناك عجزاً واضحاً على مستوى القذائف، وخاصة إذا ربطنا ذلك بفكرة أن البنتاغون قد بدأ بالاتصالات بمنتجي الأسلحة الأمريكيين من أجل الإسراع بتنفيذ الطلبات الإسرائيلية التي “لم تُعَدّ عاجلةً قبل عدة أيام”.

فالوجود الأمريكي في البحر المتوسّط إذن هو عبارة عن أحد أمرين، إما محاولة ردع لأطراف أخرى في المنطقة مثل سورية وإيران والمقاومة اللبنانية والعراقية، لمنعها من توسيع رقعة المعركة بعد انكشاف عجز الكيان عن السيطرة على الوضع في ظل التخبّط الكبير والصدمة والنقص الواضح في الذخيرة، حيث قامت واشنطن سابقاً بسحب كميات كبيرة من قذائف المدفعية الموجودة في الكيان الصهيوني وتحويلها إلى النظام الأوكراني، وإما محاولةٌ لكسب الوقت إلى أن يتم تزويد الكيان الصهيوني بالذخيرة اللازمة للقيام بحرب برية مشكوك أصلاً في قدرته على القيام بها.

وفي كلتا الحالتين، ربّما يتعيّن على الإدارة الأمريكية أن تفهم جيّداً أن جميع الأطراف في المنطقة تراقب تصرّفاتها وتبني على الأمر مقتضاه، وأن خيار الحرب المتدحرجة تتم دراسته بالفعل ولكن تحديد ساعة الصفر عائد إلى المحور، ولا أحد يكترث كثيراً بتحذيرات واشنطن.

فالتبجّح الذي أبداه الرئيس الأمريكي جو بايدن بقوله: إن “الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة… في تاريخ العالم”، وإنه بالإمكان (دعم إسرائيل وأوكرانيا) مع الاستمرار في الحفاظ على الأمن الدولي، يدحضه تساؤله اللاحق: “إذا لم نكن نحن فمَن؟” الذي يوحي بالشك الفعلي في قدرة واشنطن على ذلك، بل يؤكّد أن أوراق اللعبة في العالم أجمع وليس فقط في المنطقة بدأت تخرج من يدها، ولا يوحي تزايد التصريحات الأمريكية بأن واشنطن قادرة على تقديم الدعم لحلفائها في جميع الاتجاهات إلا بالعجز، بعد جميع التقارير السابقة التي قدّمها متخصّصون وخبراء أكّدوا نفاد المخزونات لدى واشنطن وحلفائها على خلفية حرب الاستنزاف التي خاضوها جميعاً ضدّ روسيا في أوكرانيا.

فبايدن يؤكّد أن واشنطن “ستؤمّن لهم كل ما هو ضروري”، ووزير دفاعه لويد أوستن يتحدّث عن إمداداتٍ “طارئة من الأسلحة”، ووزير خارجيّته أنتوني بلينكن يتراجع عن فكرة طرد الفلسطينيين من قطاع غزة، ويرفضها رفضاً قاطعاً، وهذه التصريحات جميعها تؤكّد أن المشهد الميداني لا يوحي مطلقاً بالقدرة على حسم الصراع مع الفصائل الفلسطينية في غزة، وإنما يؤكّد أن واشنطن تبدي قدرتها على التدخّل والدعم في الوقت الذي هي عاجزة فيه عن تقديم الأمرين معاً، وأنها قلقة جدّاً من توسّع دائرة الصراع في لحظة ربّما تعدّ أسوأ اللحظات الوجودية بالنسبة لها ولكيانها المصطنع في الوقت ذاته، ولكنها تحاول أن تغطي ذلك بالقول إنها قادرة على الاستمرار في تقديم السلاح للنظامين الصهيوني والنازي في آن معاً.

ومن هنا، فإن تحذير الولايات المتحدة وحلفائها إيران وحزب الله من عواقب التدخل في “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي” الدائر، إنما هو محاولة لنفي العجز عن الدخول المباشر لدعم الكيان الصهيوني، حيث تؤكّد أكثر المعطيات أن حزب الله لا يمكن ردعه في هذا الجانب، وأن باستطاعته دخول المعركة متى قرّر ذلك، ولكن لا بدّ أوّلاً من قراءة المشهد جيّداً قبل الدخول، حيث أثبتت المناوشات الأخيرة على الحدود قدرة عالية لدى الحزب على ردع “إسرائيل” وإجبارها على إخلاء المستوطنات المحاذية للبنان، وأن المقاومة اللبنانية قادرة على اتخاذ قرار الحرب، ولكنها تدرك أن مثل هذا القرار يجب أن يُتخذ على مستوى المحور بالكامل، لأن تحديد الوقت المناسب لدخول الحرب أمر مهم جدّاً، إن من حيث عنصر المفاجأة، أو عبر تحديد الأهداف الأولى على الأرض، ويبدو أنه استطاع خلال الأيام الماضية قراءة الواقع الحقيقي على الجبهة، ولن يطول الوقت قبل اتخاذ القرار.

وبالمحصّلة، لا تستطيع الولايات الأمريكية وحلفاؤها في الناتو إخفاء حجم القلق الذي يسود الغرب الجماعي من إمكانية تدحرج الحرب الحالية إلى حرب واسعة يتم من خلالها القضاء على الغدّة السرطانية المزروعة في المنطقة، وخاصة أن الظروف الدولية جميعها تؤكّد أن هذه اللحظة هي اللحظة المناسبة لإنهاء الوجود الصهيوني في المنطقة، في ظل رفض دولي واسع للممارسات الصهيونية والغربية على الأرض، ولا سيما بعد انتشار صور الفظائع والمجازر التي يرتكبها الطيران الصهيوني في غزة، بدعم غربي، حيث تبيّن على أرض الواقع أن ما تقوم به آلة الحرب الصهيونية إنما هو عملية إبادة ممنهجة للشعب الفلسطيني المتمسّك بأرضه، والرافض لبقاء الاحتلال.